تقولون ، ليس كما تعلمون. وقيل : «إلا مراء ظاهرا» بحجّة واضحة ، حكاه الماوردي. والمراء في اللغة : الجدال ؛ يقال : مارى يماري مماراة ومراء ، أي : جادل. قال ابن الأنباري : معنى الآية : لا تجادل إلّا جدال متيقّن عالم بحقيقة الخبر ، إذ الله تعالى ألقى إليك ما لا يشوبه باطل. وتفسير المراء في اللغة : استخراج غصب المجادل ، من قولهم : مريت الشّاة : إذا استخرجت لبنها. قوله تعالى : (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ) أي : في أصحاب الكهف ، (منهم) قال ابن عباس : يعني : من أهل الكتاب. قال الفرّاء : أتاه فريقان من النّصارى ، نسطوريّ ، ويعقوبيّ ، فسألهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن عددهم ، فنهي عن ذلك.
قوله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ).
(٩٣٠) سبب نزولها أنّ قريشا سألوا النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن ذي القرنين ، وعن الرّوح ، وعن أصحاب الكهف ، فقال : غدا أخبركم بذلك ، ولم يقل : إن شاء الله ، فأبطأ عليه جبريل خمسة عشر يوما لتركه الاستثناء ، فشقّ ذلك عليه ، ثم نزلت هذه الآية ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. ومعنى الكلام : ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غدا ، إلّا أن تقول : إن شاء الله ، فحذف القول.
قوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) قال ابن الأنباري : معناه : واذكر ربّك بعد تقضي النّسيان ، كما تقول : اذكر لعبد الله ـ إذا صلّى ـ حاجتك ، أي : بعد انقضاء الصّلاة.
وللمفسّرين في معنى الآية ثلاثة أقوال (١) : أحدها : أن المعنى : إذا نسيت الاستثناء ثم ذكرت ،
____________________________________
(٩٣٠) عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس ، ورواية أبي صالح هو الكلبي ، وهو ممن يضع الحديث ، فالخبر من هذا الوجه ليس بشيء. وذكره الواحدي في «الوسيط» ٣ / ١٤٣ نقلا عن المفسرين. وذكره ابن هشام في «السيرة» ١ / ٢٣٥ ـ ٢٣٨ ـ ٢٤٤ عن ابن إسحاق مطوّلا ، وهذا معضل ، فهو ضعيف. وأخرجه الطبري ٢٢٨٦١ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ٢٦٩ ـ ٢٧١ كلاهما عن ابن إسحاق حدثني رجل من أهل مكة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، فذكره بنحو ما ذكره ابن هشام ، وإسناده ضعيف لجهالة شيخ ابن إسحاق وليس فيه سبب نزول هذه الآية. ولبعضه شواهد ، وبعضه الآخر غريب.
وأما سؤال قريش النبيّ صلىاللهعليهوسلم فأخرجه الترمذي ٣١٤٠ وأحمد ١ / ٢٥٥ وابن حبان ٩٩ والحاكم ٢ / ٥٣١ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ٢٦٩ وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وقال الترمذي : حسن صحيح غريب اه. عن عكرمة عن ابن عباس قال : قالت قريش ليهود : أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل ، فقالوا : سلوه عن الروح ، قال : فسألوه عن الروح ، فأنزل الله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) قالوا : أوتينا علما كثيرا التوراة ، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا ، فأنزلت (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ) إلى آخر الآية. لفظ الترمذي. وليس في الحديث سبب نزول هذه الآية. انظر «أحكام القرآن» ١٤٦٠ و ١٤٦١ بتخريجنا.
__________________
(١) قال الحافظ ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٣ / ١٠٢ في تفسير هذه الآية : هذا إرشاد من الله تعالى رسوله صلىاللهعليهوسلم إلى الأدب فيما إذا عزم على شيء ليفعله في المستقبل أن يردّ ذلك إلى مشيئة الله عزوجل علّام الغيوب.
وقوله : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) قيل معناه : إذا نسيت الاستثناء ، فاستثن عند ذكرك له ، وعن ابن عباس في الرجل يحلف؟ قال : له أن يستثني ولو إلى سنة. ومعنى قول ابن عباس إذا نسي أن يقول في حلفه أو كلامه «إن شاء الله» وذكر ولو بعد سنة ، ولو بعد الحنث فالسّنة أن يقول ذلك ليكون آتيا بسنّة الاستثناء. ولا يكون ذلك رافعا لحنث اليمين ومسقطا للكفارة ، فأما الكفارة فله لازمة بالحنث بكل حال ، إلا أن يكون استثناؤه موصولا بالحلف. قاله ابن جرير وهو الصحيح والأليق بحمل كلام ابن عباس عليه ، والله أعلم. اه.