طلحة عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، ومجاهد ، والضّحّاك ، وقتادة ، والفرّاء. قال الفرّاء : يقال : الوصيد والأصيد لغتان ، مثل الإكاف والوكاف. وأرّخت الكتاب وورّخت ، ووكّدت الأمر وأكّدت ؛ وأهل الحجاز يقولون : الوصيد ، وأهل نجد يقولون : الأصيد ، وهو : الحظيرة والفناء. والثاني : أنه الباب ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال السّديّ ، قال ابن قتيبة : فيكون المعنى : وكلبهم باسط ذراعيه بالباب ، قال الشاعر :
بأرض فضاء لا يسدّ وصيدها |
|
عليّ ومعروفي بها غير منكر (١) |
والثالث : أنه الصّعيد ، وهو التراب ، رواه العوفيّ عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، ومجاهد في رواية عنهما. والرابع : أنه عتبة الباب ، قاله عطاء. قال ابن قتيبة : وهذا أعجب إليّ ، لأنهم يقولون : أوصد بابك ، أي : أغلقه ، ومنه قوله تعالى : (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) (٢) ، أي : مطبقة مغلقة ، وأصله أن يلصق الباب بالعتبة ، إذا أغلقته ، ومما يوضح هذا أنك إذا جعلت الكلب بالفناء ، كان خارجا من الكهف ، وإن جعلته بعتبة الباب ، أمكن أن يكون داخل الكهف ، والكهف وإن لم يكن له باب وعتبة ، فإنما أراد أنّ الكلب بموضع العتبة من البيت ، فاستعير.
قوله تعالى : (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ) وقرأ الأعمش وأبو حصين : «لو اطّلعت» بضمّ الواو ، أي لو أشرفت عليهم (لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً) رهبة لهم (وَلَمُلِئْتَ) قرأ عاصم وابن عامر وأبو عمرو وحمزة والكسائيّ : «ولملئت» خفيفة مهموزة. وقرأ ابن كثير ونافع : «ولملئت» مشددة مهموزة ، (رُعْباً) أي فزعا وخوفا ، وذلك أنّ الله تعالى منعهم بالرّعب لئلّا يدخل إليهم أحد. وقيل : إنهم طالت شعورهم وأظفارهم جدا فلذلك كان الرّائي لهم لو رآهم هرب مرعوبا ، حكاه الزّجّاج.
(وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (٢٠))
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ) أي : وكما فعلنا بهم ما ذكرنا ، بعثناهم من تلك النّومة (لِيَتَساءَلُوا) أي : ليكون بينهم تساؤل وتنازع واختلاف في مدّة لبثهم ، فيفيد تساؤلهم اعتبار المعتبرين بحالهم. (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ) أي : كم مرّ علينا منذ دخلنا هذا الكهف؟ (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) وذلك أنهم دخلوا غدوة ، وبعثهم الله في آخر النهار ، فلذلك قالوا : «يوما» ، فلمّا رأوا الشمس قالوا : (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ، (قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) قال ابن عباس : القائل لهذا يمليخا رئيسهم ، ردّ علم ذلك إلى الله تعالى. وقال في رواية أخرى : إنما قاله مكسلمينا ، وهو أكبرهم. قال أبو سليمان :
__________________
(إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) الهمزة : ٨.
(١) البيت لعبيد بن وهب العبسي ، وهو في «غريب القرآن» ٢٦٥ و «تفسير القرطبي» ١٠ / ٣٢٤.
(٢) سورة الهمزة : ٨.