«تزور» بفتح التاء والزّاي وتشديد الواو المفتوحة خفيفة الرّاء ، مثل : «تكوّر» والمعنى : تميل أو تعدل. قال الزّجّاج : «تزاور» : تتزاور ، فأدغمت التاء في الزاي ، و (تقرضهم) أي : تعدل عنهم وتتركهم ، وقال ذو الرّمّة :
إلى ظعن يقرضن أجواز مشرف |
|
شمالا وعن أيمانهنّ الفوارس (١) |
يقرضن : يتركن. وأصل القرض : القطع والتّفرقة بين الأشياء ، ومنه : أقرضني درهما ، أي : اقطع لي من مالك درهما. قال المفسّرون : كان كهفهم بإزاء بنات نعش في أرض الرّوم ، فكانت الشمس تميل عنهم طالعة وغاربة لا تدخل عليهم فتؤذيهم بحرها وتغيّر ألوانهم. ثم أخبر أنهم كانوا في متّسع من الكهف ينالهم فيه برد الرّيح ، ونسيم الهواء ، فقال : (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) قال أبو عبيدة : أي : في متّسع ، والجميع : فجوات ، وفجاء ، بكسر الفاء. وقال الزّجّاج : إنما صرف الشمس عنهم آية من الآيات ، ولم يرض قول من قال : كان كهفهم بإزاء بنات نعش.
قوله تعالى : (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ) يشير إلى ما صنعه بهم من اللطف في هدايتهم ، وصرف أذى الشمس عنهم ، والرّعب الذي ألقي عليهم حتى لم يقدر الملك الظالم ولا غيره على أذاهم. «من آيات الله» أي : من دلائله على قدرته ولطفه. (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) هذا بيان أنه هو الذي تولّى هداية القوم ، ولو لا ذلك لم يهتدوا.
(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨))
قوله تعالى : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً) أي : لو رأيتهم لحسبتهم أيقاظا. قال الزّجّاج : الأيقاظ : المنتبهون ، واحدهم : يقظ ، ويقظان ، والجميع : أيقاظ ؛ والرّقود : النّيام. وقال الفرّاء : واحد الأيقاظ : يقظ ، ويقظ. قال ابن السّائب : وإنما يحسبون أيقاظا ، لأنّ أعينهم مفتّحة وهم نيام. وقيل : لتقلّبهم يمينا وشمالا. وذكر بعض أهل العلم : أنّ وجه الحكمة في فتح أعينهم ، أنه لو دام طبقها لذابت. قوله تعالى : (وَنُقَلِّبُهُمْ) وقرأ الحسن وأبو رجاء : «وتقلبهم» بتاء مفتوحة ، وسكون القاف ، وتخفيف اللام المكسورة. وقرأ أبو الجوزاء ، وعكرمة : «ونقلبهم» مثلها ، إلّا أنه بالنون. (ذاتَ الْيَمِينِ) أي : على أيمانهم وعلى شمائلهم. قال ابن عباس : كانوا يقلّبون في كلّ عام مرّتين ، ستة أشهر على هذا الجنب ، وستة أشهر على هذا الجنب ، لئلّا تأكل الأرض لحومهم. وقال مجاهد : كانوا ثلاثمائة عام على شقّ واحد ، ثمّ قلّبوا تسع سنين.
قوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) أخبر أنّ الكلب كان على مثل حالهم في النّوم ، وهو في رأي العين منتبه. وفي الوصيد أربعة أقوال (٢) : أحدها : أنه الفناء فناء الكهف ، رواه ابن أبي
__________________
(١) هو في «ديوانه» ٤٠٣ و «مجاز القرآن» ١ / ٣٩٦ ومشرف والفوارس : موضعان بنجد كما في «معجم من استعجم».
(٢) قال الإمام الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٨ / ١٩٥ : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : الوصيد : الباب ، أو فناء الباب حيث يغلق الباب ، وذلك أن الباب يوصد وإيصاده : إطباقه وإغلاقه من قوله تعالى :