قوله تعالى : (هذا ذِكْرٌ) أي : شرف وثناء جميل يذكرون به أبدا. (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) أي : حسن مرجع يرجعون إليه في الآخرة. ثم بيّن ذلك المرجع ، فقال : (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) قال الفرّاء : إنما رفعت «الأبواب» لأنّ المعنى : مفتّحة لهم أبوابها ، والعرب تجعل الألف واللام خلفا من الإضافة ، فيقولون : مررت على رجل حسن العين ، قبيح الأنف ، والمعنى : حسنة عينه ، قبيح أنفه ، ومنه قوله تعالى : (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) (١) والمعنى : مأواه. وقال الزّجّاج : المعنى : مفتّحة لهم الأبواب منها ، فالألف واللام للتعريف ، لا للبدل. قال ابن جرير : والفائدة في ذكر تفتح الأبواب ، أنّ الله تعالى أخبر عنها أنّ أبوابها تفتح لهم بغير فتح سكّانها لها بيد ، ولكن بالأمر ، قال الحسن : هي أبواب تكلّم ، فتكلّم : انفتحي ، انغلقي.
قوله تعالى : (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) قد مضى بيانه في سورة الصّافّات (٢). قال الزّجّاج : والأتراب : اللواتي أسنانهنّ واحدة وهنّ في غاية الشّباب والحسن.
قوله تعالى : (هذا ما تُوعَدُونَ) قرأ أبو عمرو ، وابن كثير بالياء ، والباقون بالتاء.
قوله تعالى : (لِيَوْمِ الْحِسابِ) اللام بمعنى «في». والنّفاد : الانقطاع. قال السّدّيّ : كلّما أخذ من رزق الجنّة شيء ، عاد مثله.
(هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (٥٦) هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ (٥٨) هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (٥٩) قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (٦٠) قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (٦١) وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (٦٢) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (٦٣) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (٦٤) قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٦٥) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٦٦))
قوله تعالى : (هذا) المعنى : هذا الذي ذكرناه (وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ) يعني الكافرين (لَشَرَّ مَآبٍ) ، ثم بيّن ذلك بقوله تعالى : (جَهَنَّمَ) والمهاد : الفراش. (هذا فَلْيَذُوقُوهُ) قال الفرّاء : في الآية تقديم وتأخير ، تقديرها : هذا حميم وغسّاق فليذوقوه ؛ وإن شئت جعلت الحميم مستأنفا ، كأنّك قلت : هذا فليذوقوه ، ثم قلت : منه حميم ، ومنه غسّاق ، كقول الشاعر :
حتّى إذا ما أضاء الصّبح في غلس |
|
وغودر البقل ملويّ ومحصود (٣) |
فأمّا الحميم ، فهو الماء الحارّ. وأمّا الغسّاق ، ففيه لغتان ، قرأ حمزة ، والكسائيّ ، وخلف ، وحفص : بالتشديد ، وكذلك في (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) ، تابعهم المفضّل في (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) وقرأ الباقون بالتّخفيف ، وفي الغسّاق أربعة أقوال (٤) : أحدها : أنه الزّمهرير ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
__________________
(١) النازعات : ٣٩.
(٢) الصافات : ٤٨.
(٣) البيت من شواهد الفرّاء ، وهو في «معاني القرآن» : ١٩٣.
وفي «اللسان» : الغلس : ظلام آخر الليل ، والملويّ : ما ذبل وجف من البقل.
(٤) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ١٠ / ٥٩٩ : وأولى الأقوال عندي بالصواب قول من قال : هو ما يسيل من