قوله تعالى : (كِسَفاً) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيّ : «كسفا» بتسكين السين في جميع القرآن إلّا في الرّوم (١) فإنهم حرّكوا السين. وقرأ نافع ، وأبو بكر عن عاصم بتحريك السين في الموضعين ، وفي باقي القرآن بالتّسكين. وقرأ ابن عامر ها هنا بفتح السين ، وفي باقي القرآن بتسكينها. قال الزّجّاج : من قرأ «كسفا» بفتح السين ، جعلها جمع كسفة ، وهي : القطعة ، ومن قرأ «كسفا» بتسكين السين ، فكأنهم قالوا : أسقطها طبقا علينا ؛ واشتقاقه من كسفت الشيء : إذا غطّيته ، يعنون : أسقطها علينا قطعة واحدة. وقال ابن الأنباري : من سكّن قال : تأويله : سترا وتغطية ، من قولهم : قد انكسفت الشمس : إذا غطّاها ما يحول بين النّاظرين إليها وبين أنوارها.
قوله تعالى : (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : عيانا ، رواه الضّحّاك عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، وابن جريج ، ومقاتل. وقال أبو عبيدة : معناه : مقابلة ، أي : معاينة ، وأنشد الأعشى :
نصالحكم حتّى تبوءوا بمثلها |
|
كصرخة حبلى يسّرتها قبيلها |
أي : قابلتها. ويروى : وجّهتها ، يعني : بدل يسرتها.
والثاني : كفيلا أنك رسول الله ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، واختاره الفرّاء ، قال : القبيل ، والكفيل ، والزّعيم ، سواء ؛ تقول : قبلت ، وكفلت ، وزعمت. والثالث : قبيلة قبيلة ، كلّ قبيلة على حدتها ، قاله الحسن ، ومجاهد. فأمّا الزّخرف ، فالمراد به الذّهب ، وقد شرحنا أصل هذه الكلمة في سورة يونس (٢) ، و (تَرْقى) : بمعنى «تصعد» ؛ يقال : رقيت أرقى رقيّا.
قوله تعالى : (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً) قال ابن عباس : كتابا من ربّ العالمين إلى فلان بن فلان يصبح عند كلّ واحد منّا يقرؤه.
قوله تعالى : (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي) قرأ نافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيّ : «قل». وقرأ ابن كثير ، وابن عامر : «قال» ، وكذلك هي في مصاحف أهل مكّة والشّام ، (هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) ، أي : أنّ هذه الأشياء ليست في قوى البشر.
فإن قيل : لم اقتصر على حكاية «قالوا» من غير إيضاح الرّدّ؟
فالجواب : أنه لمّا خصّهم بقوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ) فلم يكن في وسعهم ، عجّزهم ، فكأنه يقول : قد أوضحت لكم بما سبق من الآيات ما يدلّ على نبوّتي ، ومن ذلك التّحدّي بمثل هذا القرآن ، فأمّا عنتكم فليس في وسعي ، ولأنهم ألحّوا عليه في هذه الأشياء ، ولم يسألوه أن يسأل ربّه ، فردّ قولهم بكونه بشرا ، فكفى ذلك في الرّدّ.
(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥) قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦))
__________________
(١) سورة الروم : ٤٨.
(٢) سورة يونس : ٢٤.