شائعا في التفسير. قالوا : وإنما عوتب في هذه القصة على شيئين : أحدهما : أنه أخبر بأنها ستكون زوجة له ، فقال لزيد : «أمسك عليك زوجك» وكتم ما أخبره الله تعالى به من أمرها حياء من زيد أن يقول له : إنّ زوجتك ستكون امرأتي ؛ وهذا يخرج على ما ذكرنا عن عليّ بن الحسين ، وقد نصره الثّعلبي ، والواحدي. والثاني : أنه لمّا رأى اتّصال الخصومة بين زيد وزينب ، ظنّ أنهما لا يتّفقان وأنه سيفارقها ، وأضمر أنه إن طلّقها تزوّجتها صلة لرحمها ، وإشفاقا عليها ، لأنها كانت بنت عمّته أميمة بنت عبد المطّلب ، فعاتبه الله تعالى على إضمار ذلك وإخفائه حين قال لزيد : «أمسك عليك زوجك» ، وأراد منه أن يكون ظاهره وباطنه عند الناس سواء.
(١١٤٥) كما قيل له في قصة رجل أراد قتله : هلّا أومأت إلينا بقتله؟ فقال : «ما ينبغي لنبيّ أن تكون له خائنة الأعين» ، ذكر هذا القول القاضي أبو يعلى رحمة الله عليه.
قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) قال الزّجّاج : الوطر كلّ حاجة لك فيها همّة ، فإذا بلغها البالغ ، قيل : قد قضى وطره. وقال غيره : قضاء الوطر في اللغة : بلوغ منتهى ما في النّفس من الشيء ، ثم صار عبارة عن الطلاق ، لأنّ الرجل إنما يطلّق امرأته إذا لم يبق له فيها حاجة. والمعنى : لمّا قضى زيد حاجته من نكاحها (زَوَّجْناكَها) ، وإنّما ذكر قضاء الوطر ها هنا ليبيّن أنّ امرأة المتبنّى تحلّ وإن وطئها ، وهو قوله تعالى : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً) ؛ والمعنى : زوّجناك زينب ـ وهي امرأة زيد الذي تبنّيته ـ لكيلا يظنّ أنّ امرأة المتبنّى لا يحلّ نكاحها.
(١١٤٦) وروى مسلم في أفراده من حديث أنس بن مالك قال : لمّا انقضت عدّة زينب قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لزيد : «اذهب فاذكرها عليّ» ، قال زيد : فانطلقت ، فلمّا رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها ، لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذكرها ، فولّيتها ظهري ، ونكصت على عقبي ، وقلت : يا زينب ، أرسلني رسول الله صلىاللهعليهوسلم يذكرك ، قالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر (١) ربّي ، فقامت إلى مسجدها ، ونزل القرآن ، وجاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم فدخل عليها بغير إذن.
وذكر أهل العلم أنّ من خصائص رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه أجيز له التّزويج بغير مهر ليخلص قصد
____________________________________
(١١٤٥) جيد. أخرجه أبو داود ٢٦٨٣ و ٤٣٥٩ والنسائي ٧ / ١٠٥ ـ ١٠٦ والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣ / ٣٣٠ ـ ٣٣١ وابن أبي شيبة ١٤ / ٤٩١ ـ ٤٩٢ وأبو يعلى ٧٥٧ والبزار ١٨٢١ والدار قطني ٣ / ٥٩ ، والحاكم ٣ / ٤٥ والبيهقي ٧ / ٤٠ وفي «دلائل النبوة» ٥ / ٥٩ وابن الأثير في «أسد الغابة» ٤ / ٧٠ ـ ٧١ من طرق عن أحمد بن المفضل به ، جميعهم من حديث سعد بن أبي وقاص. وصححه الحاكم على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي ؛ وهو حديث حسن. وقال الهيثمي في «المجمع» ٦ / ١٦٨ ـ ١٦٩ : ورواه أبو داود وغيره باختصار ، ورواه أبو يعلى والبزار ورجالهما ثقات! وفي الباب عن أنس : أخرجه البيهقي في «الدلائل» ٥ / ٦٠ ـ ٦١ ، وفيه الحكم بن عبد الملك وهو ضعيف. وذكره الهيثمي في «المجمع» ٦ / ١٦٧ ـ ١٦٨ ونسبه إلى الطبراني في «الأوسط» وأعله بالحكم بن عبد الملك. وعن سعيد بن المسيب مرسلا ، أخرجه ابن سعد ٢ / ١٤١ من طريق حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد عنه.
(١١٤٦) صحيح. أخرجه مسلم ١٤٢٨ والنسائي في «التفسير» ٤٣٠ والنسائي ٦ / ٧٩ وأحمد ٣ / ١٩٥ وأبو يعلى ٣٣٣٢ وابن سعد ٨ / ٨٢ من حديث أنس. وانظر «تفسير الشوكاني» ٢٠٠٣ بتخريجنا.
__________________
(١) أوامر ربي : أستشيره وأستخيره.