فالمشكاة جوف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والمصباح النّور الذي في قلبه ، والزّجاجة قلبه ، فهو من شجرة مباركة ، وهو إبراهيم عليهالسلام ، سمّاه شجرة مباركة ، لأنّ أكثر الأنبياء من صلبه «لا شرقية ولا غربية» لا يهوديّ ولا نصرانيّ ، يكاد محمّد صلىاللهعليهوسلم يتبيّن للناس أنه نبيّ ولو لم يتكلّم. وقال القرظيّ : المشكاة : إبراهيم ، والزّجاجة : إسماعيل ، والمصباح : محمّد ، صلوات الله عليهم أجمعين. وقال الضّحّاك : شبّه عبد المطّلب بالمشكاة ، وعبد الله بالزّجاجة ، ومحمّدا صلىاللهعليهوسلم بالمصباح. والثاني : أنه شبّه نور الإيمان في قلب المؤمن بالمصباح ، فالمشكاة : قلبه ، والمصباح : نور الإيمان فيه. وقيل : المشكاة : صدره ، والمصباح : القرآن والإيمان اللّذان في صدره ، والزّجاجة : قلبه ، فكأنه ممّا فيه من القرآن والإيمان كوكب مضيء توقّد من شجرة ، وهي الإخلاص ، فمثل الإخلاص عنده كشجرة لا تصيبها الشمس ، فكذلك هذا المؤمن قد احترس من أن تصيبه الفتن ، فإن أعطي شكر ، وإن ابتلي صبر ، وإن قال صدق ، وإن حكم عدل ، فقلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم ، فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى كما يكاد هذا الزيت يضيء قبل أن تمسّه النار ، فإذا مسّته اشتدّ نوره ، فالمؤمن كلامه نور ، وعمله نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، ومصيره إلى نور يوم القيامة. والثالث : أنه شبّه القرآن بالمصباح يستضاء به ولا ينقص ، والزّجاجة : قلب المؤمن ، والمشكاة : لسانه وفمه ، والشجرة المباركة : شجرة الوحي ، تكاد حجج القرآن تتّضح وإن لم يقرأ. وقيل : تكاد حجج الله تضيء لمن فكّر فيها وتدبّرها ولو لم ينزل القرآن ، (نُورٌ عَلى نُورٍ) أي : القرآن نور من الله لخلقه (١) مع ما قد قام لهم من الدّلائل والأعلام قبل نزول القرآن.
قوله تعالى : (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) أي : ويبيّن الله الأشباه للناس تقريبا إلى الأفهام وتسهيلا لسبل الإدراك.
(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٨))
قوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ) قال الزّجّاج : (فِي) من صلة قوله : (كَمِشْكاةٍ) ، فالمعنى : كمشكاة في بيوت ؛ ويجوز أن تكون متّصلة بقوله : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها) فتكون فيها تكريرا على التّوكيد ؛ والمعنى : يسبّح لله رجال في بيوت. فإن قيل : المشكاة إنما تكون في بيت واحد ، فكيف قال : «في بيوت»؟ فعنه جوابان : أحدهما : أنه من الخطاب المتلوّن الذي يفتح بالتّوحيد ويختم بالجمع ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) (٢). والثاني : أنه راجع إلى كلّ واحد من البيوت ، فالمعنى : في كلّ بيت مشكاة. وللمفسّرين في المراد بالبيوت ها هنا ثلاثة أقوال (٣) : أحدها : أنها المساجد ، قاله ابن عباس ،
__________________
(١) وإنما يستجيب له من نوّر الله قلبه ، وهداه إلى صراطه المستقيم.
(٢) سورة الطلاق : ١.
(٣) قال الطبري رحمهالله ٩ / ٣٢٩ : ذلك المصباح في بيوت أذن الله أن ترفع ، وعني بالبيوت المساجد وإنما اخترنا هذا القول لدلالة قوله (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) على