قال مقاتل : نزلت في النّضر بن الحارث القرشيّ. وقال غيره : هو قولهم له : (مَتى هذَا الْوَعْدُ) (١) ونحوه من استعجالهم ، (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) في إنزال العذاب بهم في الدنيا ، فأنزله بهم يوم بدر ، (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ) أي : من أيام الآخرة (كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) من أيام الدنيا ، قرأ عاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر : «تعدّون» بالتاء. وقرأ ابن كثير ، وحمزة ، والكسائيّ : «يعدّون» بالياء.
فإن قيل : كيف انصرف الكلام من ذكر العذاب إلى قوله : «وإنّ يوما عند ربّك»؟ فعنه جوابان : أحدهما : أنهم استعجلوا العذاب في الدنيا ، فقيل لهم : لن يخلف الله وعده في إنزال العذاب بكم في الدنيا. وإنّ يوما من أيام عذابكم في الآخرة كألف سنة من سني الدنيا ، فكيف تستعجلون بالعذاب؟! فقد تضمّنت الآية وعدهم بعذاب الدنيا والآخرة ، هذا قول الفرّاء. والثاني : وإنّ يوما عند الله وألف سنة سواء في قدرته على عذابهم ، فلا فرق بين وقوع ما يستعجلونه وبين تأخيره في القدرة ، إلّا أنّ الله تفضّل عليهم بالإمهال ، هذا قول الزّجّاج.
(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٥١))
قوله تعالى : (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) يعني به الرزق الحسن في الجنّة.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا) أي : عملوا في إبطالها (مُعاجِزِينَ) قرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ : «معجزين» بغير ألف. وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : «معاجزين» بألف قال الزّجّاج : «معاجزين» أي : ظانّين أنهم يعجزوننا ، لأنهم ظنّوا أنهم لا يبعثون وأنه لا جنّة ولا نار. قال : وقيل في التّفسير : معاجزين : معاندين ، وليس هو بخارج عن القول الأوّل ؛ و «معجزين» تأويلها : أنهم كانوا يعجزون من اتّبع النبيّ صلىاللهعليهوسلم ويثبّطونهم عنه.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤) وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (٥٥))
قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ) الآية.
(١٠١٠) قال المفسّرون : سبب نزولها أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لمّا نزلت عليه سورة النّجم قرأها حتى
____________________________________
(١٠١٠) موضوع مفترى. بأسانيد واهية. ورد عن محمد بن كعب القرظي ، أخرجه الطبري ٢٥٣٢٨ وله علل ثلاث : الأولى الإرسال ، والثانية عنعنة ابن إسحاق ، والثالثة فيه يزيد بن زياد المدني ، قال البخاري : لا يتابع على حديثه. وكرره الطبري ٢٥٣٢٧ من طريق أبي معشر عن محمد بن كعب ومحمد بن قيس معا. وهذا مرسل ـ
__________________
(١) سورة الملك : ٢٥.