في القتال. وقال مجاهد : هم ناس خرجوا من مكّة مهاجرين ، فأدركهم كفّار قريش ، فأذن لهم في قتالهم. قال الزّجّاج : معنى الآية : أذن للذين يقاتلون أن يقاتلوا. (بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) أي : بسبب ما ظلموا. ثم وعدهم النّصر بقوله : (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) ولا يجوز أن تقرأ بفتح «إن» هذه من غير خلاف بين أهل اللغة ، لأنّ «إنّ» إذا كانت معها اللام ، لم تفتح أبدا ، وقوله : (إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) معناه : أخرجوا لتوحيدهم.
قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ) قد فسّرناه في سورة البقرة (١).
قوله تعالى : (لَهُدِّمَتْ) قرأ ابن كثير ، ونافع : «لهدمت» خفيفة ، والباقون بتشديد الدّال.
فأمّا الصّوامع ، ففيها قولان (٢) : أحدهما : أنها صوامع الرّهبان ، قاله ابن عباس ، وأبو العالية ، ومجاهد ، وابن زيد. والثاني : أنها صوامع الصّابئين ، قاله قتادة ، وابن قتيبة.
فأمّا البيع ، فهي جمع بيعة ، وهي بيع النّصارى.
وفي المراد بالصّلوات قولان : أحدهما : مواضع الصّلوات. ثم فيها قولان : أحدهما : أنها كنائس اليهود ، قاله قتادة ، والضّحّاك ، وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغويّ ، قال : قوله تعالى : (وَصَلَواتٌ) هي كنائس اليهود ، وهي بالعبرانيّة «صلوثا». والثاني : أنها مساجد الصّابئين ، قاله أبو العالية. والقول الثاني : أنها الصّلوات حقيقة ، والمعنى : لو لا دفع الله عن المسلمين بالمجاهدين ؛ لانقطعت الصّلوات في المساجد ، قاله ابن زيد.
فأمّا المساجد ، فقال ابن عباس : هي مساجد المسلمين. وقال الزّجّاج : معنى الآية : لو لا دفع بعض الناس ببعض لهدّمت في زمان موسى الكنائس ، وفي زمان عيسى الصّوامع والبيع ، وفي زمان محمّد المساجد.
وفي قوله تعالى : (يُذْكَرُ فِيهَا) قولان : أحدهما : أن الكناية ترجع إلى جميع الأماكن المذكورات ، قاله الضّحّاك. والثاني : إلى المساجد خاصّة ، لأنّ جميع المواضع المذكورة ، الغالب فيها الشّرك ، قاله أبو سليمان الدّمشقي.
قوله تعالى : (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) أي : من ينصر دينه وشرعه.
قوله تعالى : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) قال الزّجّاج : هذه صفة ناصريه. قال المفسّرون : التّمكين في الأرض : نصرهم على عدوّهم ، والمعروف : لا إله إلّا الله ، والمنكر : الشّرك. قال الأكثرون : وهؤلاء أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال القرظيّ : هم الولاة.
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) أي : إليه مرجعها ، لأنّ كلّ ملك يبطل سوى ملكه.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢٥.
(٢) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٩ / ١٦٦ : وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب : قول من قال : معنى ذلك : لهدمت صوامع الرهبان ، وبيع النصارى ، وصلوات اليهود وهي كنائسهم ومساجد المسلمين التي يذكر فيها اسم الله كثيرا. لأن هذا هو المستعمل المعروف في كلام العرب.
ووافقه ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٣ / ٢٨٤ وقال : وقال بعض العلماء : هذا ترق من الأقل إلى الأكثر إلى أن ينتهي إلى المساجد ، وهي أكثر عمّارا وأكثر عبّادا ، وهم ذوو القصد الصحيح.