قوله تعالى : (كَذلِكَ) فيه أربعة أقوال : أحدها : كما بلغ مغرب الشمس بلغ مطلعها. والثاني : أتبع سببا كما أتبع سببا. والثالث : كما وجد أولئك عند مغرب الشمس وحكم فيهم ، كذلك وجد هؤلاء عند مطلعها وحكم فيهم. والرابع : أنّ المعنى : كذلك أمرهم كما قصصنا عليك ؛ ثم استأنف فقال : (وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ) أي : بما عنده ومعه من الجيوش والعدد. وحكى أبو سليمان الدّمشقي : «بما لديه» أي : بما عند مطلع الشمس. وقد سبق معنى الخبر (١).
(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (٩٣) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨))
قوله تعالى : (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) أي : طريقا ثالثا بين المشرق والمغرب (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) قال وهب بن منبه : هما جبلان منيفان في السماء ، من ورائهما البحر ، ومن أمامهما البلدان ، وهما بمنقطع أرض التّرك مما يلي بلاد أرمينيّة. وروى عطاء الخراسانيّ عن ابن عباس قال : الجبلان من قبل أرمينيّة وأذربيجان. واختلف القرّاء في «السدّين» فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم بفتح السين. وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائيّ بضمّها. وهل المعنى واحد ، أم لا؟ فيه قولان : أحدهما : أنه واحد. قال ابن الأعرابيّ : كلّ ما قابلك فسدّ ما وراءه ، فهو سدّ ، وسدّ ، نحو : الضّعف والضّعف ، والفقر والفقر. قال الكسائيّ ، وثعلب : السّدّ والسّدّ لغتان بمعنى واحد ، وهذا مذهب الزّجّاج. والثاني : أنهما يختلفان.
وفي الفرق بينهما قولان : أحدهما : أنّ ما هو من فعل الله تعالى فهو مضموم ، وما هو من فعل الآدميين فهو مفتوح ، قاله ابن عباس ، وعكرمة ، وأبو عبيدة. قال الفرّاء : وعلى هذا رأيت المشيخة وأهل العلم من النحويين. والثاني : أنّ السّدّ ، بفتح السين : الحاجز بين الشيئين ، والسدّ ، بضمّها :
الغشاوة في العين ، قاله أبو عمرو بن العلاء.
قوله تعالى : (وَجَدَ مِنْ دُونِهِما) يعني : أمام السّدّ (قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر : «يفقهون» بفتح الياء ، أي : لا يكادون يفهمونه. قال ابن الأنباري : كقوله تعالى : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) (٢) قال المفسّرون : وإن كانوا كذلك لأنهم لا يعرفون غير لغتهم. وقرأ حمزة ، والكسائيّ : «يفقهون» بضمّ الياء ، أراد : يفهمون غيرهم. وقيل : كلّم ذا القرنين عنهم مترجمون ترجموا.
قوله تعالى : (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) هما : اسمان أعجميّان ، وقد همزهما عاصم. قال الليث : الهمز لغة رديئة. قال ابن عباس : يأجوج رجل ، وهما ابنا يافث بن نوح عليهالسلام ، فيأجوج ومأجوج عشرة
__________________
(١) سورة الكهف : ٦٨.
(٢) سورة البقرة : ٧١.