لتكذيبهم رسول الله. والثاني : لعداوتهم لجبريل. رواه شهر عن ابن عباس. والثالث : أن الأول حين قالوا : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) (١) ، والثاني : حين كذّبوا نبيّ الله. رواه أبو صالح عن ابن عباس ، واختاره الفرّاء. والرابع : أن الأول لتكذيبهم بعيسى والإنجيل. والثاني : لتكذيبهم بمحمد والقرآن ، قاله الحسن ، والشّعبيّ ، وعكرمة ، وأبو العالية ، وقتادة ، ومقاتل. والخامس : أن الأوّل لتبديلهم التّوراة. والثاني : لتكذيبهم محمّدا صلىاللهعليهوسلم ، قاله مجاهد. والمهين : المذلّ.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١))
قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ) ، يعني : القرآن ، (قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) ، يعنون : التّوراة. وفي قوله تعالى : (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ) قولان : أحدهما : أنه أراد بما سواه. ومثله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٢) ، قاله الفرّاء ومقاتل. والثاني : بما بعد الذي أنزل عليهم ، قاله الزّجّاج. قوله تعالى : (وَهُوَ الْحَقُ) يعود على ما وراءه. قوله تعالى : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ) هذا جواب قولهم : (نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) ، فإن الأنبياء جاءوا بتأييد التوراة. وإنما نسب القتل إلى المتأخّرين لأنهم في ذلك على رأي المتقدّمين. وتقتلون بمعنى : قتلتم ، فوضع المستقبل في موضع الماضي ، لأن الوهم لا يذهب إلى غيره. وأنشدوا في ذلك :
شهد الحطيئة حين يلقى ربّه |
|
أنّ الوليد أحقّ بالعذر |
أراد : يشهد.
(وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٩٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩٣))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ) ، فيها قولان : أحدهما : ما في الألواح من الحلال والحرام ، قاله ابن عباس. والثاني : الآيات التسع ، قاله مقاتل.
وفي هاء «بعده» قولان : أحدهما : أنها تعود إلى موسى ، فمعناه : من بعد انطلاقه إلى الجبل ، قاله ابن عباس ومقاتل. والثاني : أنها تعود إلى المجيء ، لأن «جاءكم» يدل على المجيء ، وفي ذكر عبادتهم العجل تكذيب لقولهم : (نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا).
قوله تعالى : (قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا) ، قال ابن عباس : كانوا إذا نظروا إلى الجبل ، قالوا : سمعنا وأطعنا ، وإذا نظروا إلى الكتاب قالوا : سمعنا وعصينا.
قوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) ، أي : سقوا حبّ العجل ، فحذف المضاف ، وهو الحبّ ، وأقام المضاف إليه مقامه ، ومثله قوله : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) (٣) أي : وقت الحج. وقوله :
__________________
(١) المائدة : ٦٤.
(٢) النساء : ٢٤.
(٣) البقرة : ١٩٧.