أحدهما : لا يضرّكم من ضلّ بترك الأمر بالمعروف إذا اهتديتم أنتم للأمر بالمعروف ، والنّهي عن المنكر ، قاله حذيفة بن اليمان ، وابن المسيّب. والثاني : لا يضرّكم من ضلّ من أهل الكتاب إذا أدّوا الجزية ، قاله مجاهد. وفي قوله تعالى : (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) تنبيه على الجزاء.
فصل : فعلى ما ذكرنا عن الزجّاج في معنى الآية ، هي محكمة ، وقد ذهب قوم من المفسّرين إلى أنّها منسوخة ، ولهم في ناسخها قولان : أحدهما : أنه آية السّيف. والثاني : أنّ آخرها نسخ أوّلها. روي عن أبي عبيد أنه قال : ليس في القرآن آية جمعت النّاسخ والمنسوخ غير هذه ، وموضع المنسوخ منها إلى قوله تعالى : (لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَ) والنّاسخ : قوله : إذا اهتديتم. والهدى هاهنا : الأمر بالمعروف ، والنّهي عن المنكر.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (١٠٦))
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ).
(٤٨٣) روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان تميم الدّاريّ ، وعديّ بن بدّاء يختلفان إلى مكّة ، فصحبهما رجل من قريش من بني سهم ، فمات بأرض ليس فيها أحد من المسلمين ، فأوصى إليهما بتركته ، فلمّا قدما ، دفعاها إلى أهله ، وكتما جاما كان معه من فضّة ، وكان مخوّصا بالذهب ، فقالا : لم نره ، فأتي بهما إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فاستحلفهما بالله : ما كتما ، وخلّى سبيلهما ، ثمّ إن الجام وجد عند قوم من أهل مكّة ، فقالوا : ابتعناه من تميم الدّاريّ ، وعديّ بن بدّاء ، فقام أولياء السّهميّ ، فأخذوا الجام ، وحلف رجلان منهم بالله : إنّ هذا الجام جام صاحبنا ، وشهادتنا أحقّ من شهادتهما ، وما اعتدينا ، فنزلت هذه الآية ، والتي بعدها.
قال مقاتل : واسم الميّت : بزيل بن أبي مارية مولى العاص بن وائل السّهميّ ، وكان تميم ، وعديّ نصرانيين ، فأسلم تميم ، ومات عديّ نصرانيا.
فأمّا التّفسير : فقال الفرّاء : معنى الآية : ليشهدكم اثنان إذا حضر أحدكم الموت. قال الزجّاج : المعنى : شهادة هذه الحال شهادة اثنين ، فحذف «شهادة» ويقوم «اثنان» مقامهما. وقال ابن الأنباريّ : معنى الآية : ليشهدكم في سفركم إذا حضركم الموت ، وأردتم الوصيّة اثنان. وفي هذه الشّهادة ثلاثة أقوال : أحدها : أنها الشهادة على الوصيّة التي ثبتت عند الحكّام ، وهو قول ابن مسعود ، وأبي موسى ، وشريح ، وابن أبي ليلى ، والأوزاعيّ ، والثّوريّ ، والجمهور. والثاني : أنها أيمان الوصيّ بالله تعالى إذا
____________________________________
(٤٨٣) صحيح. أخرجه البخاري ٢٧٨٠ وأبو داود ٣٦٠٦ والترمذي ٣٠٦٠ والدارقطني ٤ / ١٦٦ والطبري ١٢٦٧٠ والجصاص في «الأحكام» ٤ / ١٦٠ والطبراني ١٢ / ٧١ والواحدي ٤٢١ والبيهقي ١٠ / ١٦٥ كلهم من حديث ابن عباس به ، فهو من مسند ابن عباس ، وهو مختصر كما ترى ، وانظر «أحكام ابن العربي» ٨٢٦ و «تفسير الشوكاني» ٨٧٢ بتخريجي ولله الحمد والمنة.