له قيمته ، وهو قول مالك ، والشّافعيّ. وقال أبو حنيفة : الواجب فيه القيامة ، وحمل المثل على القيامة ، وظاهر الآية يردّ ما قال ، ولأنّ الصحابة حملوا الآية على المثل من طريق الصّورة ، فقال ابن عباس : المثل : النّظير ، ففي الظّبية شاة ، وفي النّعامة بعير.
قوله تعالى : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) يعني بالجزاء ، وإنّما ذكر اثنين ، لأنّ الصّيد يختلف في نفسه ، فافتقر الحكم بالمثل إلى عدلين. وقوله تعالى : (مِنْكُمْ) يعني : من أهل ملّتكم.
قوله تعالى : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) قال الزجّاج : هو منصوب على الحال ، والمعنى : يحكمان به مقدّرا أن يهدى (١). ولفظ قوله «بالغ الكعبة» لفظ معرفة ، ومعناه : النّكرة. والمعنى : بالغا الكعبة ، إلّا أنّ التنوين حذف استخفافا. قال ابن عباس : إذا أتى مكّة ذبحه ، وتصدّق به.
قوله تعالى : (أَوْ كَفَّارَةٌ) قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيّ : (أَوْ كَفَّارَةٌ) منوّنا (طَعامُ) رفعا. وقرأ نافع ، وابن عامر : «أو كفّارة» رفعا غير منوّن «طعام مساكين» على الإضافة. قال أبو عليّ : من رفع ولم يضف ، جعله عطفا على الكفّارة عطف بيان ، لأنّ الطعام هو الكفّارة ، ولم يضف الكفّارة إلى الطعام ، لأن الكفّارة لقتل الصّيد ، لا للطعام ، ومن أضاف الكفّارة إلى الطعام ، فلأنّه لمّا خيّر المكفّر بين الهدي ، والطّعام ، والصّيام ، جازت الإضافة لذلك ، فكأنّه قال : كفّارة طعام ، لا كفّارة هدي ، ولا صيام. والمعنى : أو عليه بدل الجزاء والكفّارة ، وهي طعام مساكين (٢). وهل يعتبر في إخراج الطعام قيمة النّظير ، أو قيمة الصّيد؟ فيه قولان : أحدهما : قيمة النّظير ، وبه قال عطاء ، والشّافعيّ ، وأحمد. والثاني : قيمة الصّيد ، وبه قال قتادة ، وأبو حنيفة ، ومالك. وفي قدر الإطعام لكلّ
____________________________________
من طرق عن عائشة ، رووه بألفاظ متقاربة. وفي رواية مسلم برقم ١١٩٨ ح ٦٨. «الحية والكلب العقور». وفيه «السبع العادي». أخرجه أبو داود ١٨٤٨ والترمذي ٨٣٨ وابن ماجة ٣٠٨٩ والطحاوي ١ / ٣٨٥ وأحمد ٣ / ٣ ـ ٣٢ ـ ٧٩ والبيهقي ٥ / ٢١٠ من طريق يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد في أثناء حديث ، وإسناده غير قوي لأجل يزيد بن أبي زياد ، فقد ضعفه غير واحد. والألفاظ الواردة في الصحيحين ليس فيها ذكر «السبع العادي». والفويسقة : هي الفأرة.
__________________
(١) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ٥ / ٤٥٠ ـ ٤٥١ ما ملخصه : أما فدية الأذى ، فتجوز في الموضع الذي حلق فيه ، نص عليه أحمد ، وقال الشافعي : لا تجوز إلا في الحرم لقوله تعالى (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ). ولنا أن النبي صلىاللهعليهوسلم أمر كعب بن عجرة بالفدية بالحديبية ، ولم يأمر ببعثه إلى الحرم.
ـ وأما جزاء الصيد ، فهو لمساكين الحرم لقوله تعالى : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ).
فصل : وما وجب نحره بالحرم ، وجب تفرقة لحمه به ، وبهذا قال الشافعي. وقال مالك وأبو حنيفة : إذا ذبحها في الحرم ، جاز تفرقة لحمها في الحل. وانظر «تفسير القرطبي» ٦ / ٤١٣.
(٢) قال الإمام الموفق رحمهالله ٥ / ٤٥١ : فصل : والطعام كالهدي ، يختص بمساكين الحرم فيما يختص الهدي به ، وقال عطاء والنخعي : ما كان من هدي فبمكة ، وما كان من طعام وصيام. فحيث شاء ، وهذا يقتضيه مذهب مالك وأبي حنيفة ، ولنا قول ابن عباس : الهدي والطعام بمكة ، والصوم حيث شاء.
ـ فصل : ومساكين الحرم من كان فيه من أهل ، أو وارد إليه من الحاجّ وغيرهم الذين يجوز دفع الزكاة إليهم ، ولو دفع إلى من ظاهره الفقر فبان غنيا خرّج فيه وجهان كالزكاة ، وللشافعي فيه قولان ، وما جاز تفريقه بغير الحرم لم يجز دفعه إلى فقراء أهل الذمة ، وبهذا قال الشافعي وأبو ثور ، وجوزه أصحاب الرأي ، ولنا أنه كافر ، فلم يجز الدفع إليه ، كالحربي.