قوله تعالى : (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) بيّن الله عزوجل بهذه الآية من أيّ وجه تقع البلوى ، وفي أيّ زمان ، وما على من قتله بعد النّهي؟. وفي قوله : (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) ثلاثة أقوال :
أحدها : وأنتم محرمون بحجّ أو عمرة ، قاله الأكثرون. والثاني : وأنتم في الحرم ، يقال : أحرم : إذا دخل في الحرم ، وأنجد : إذا أتى نجدا. والثالث : الجمع بين القولين.
قوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) فيه قولان : أحدهما : أن يتعمّد قتله ذاكرا لإحرامه ، قاله ابن عباس ، وعطاء. والثاني : أن يتعمّد قتله ناسيا لإحرامه ، قاله مجاهد. فأمّا قتله خطأ ، ففيه قولان : أحدهما : أنه كالعمد ، قاله عمر ، وعثمان ، والجمهور. قال الزّهريّ : نزل القرآن بالعمد ، وجرت السنّة في الخطأ ، يعني : ألحقت المخطئ بالمتعمّد في وجوب الجزاء.
(٤٧٤) وروي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الضّبع صيد وفيه كبش إذا قتله المحرم».
وهذا عامّ في العامد والمخطئ. قال القاضي أبو يعلى : أفاد تخصيص العمد بالذّكر ما ذكر في أثناء الآية من الوعيد ، وإنّما يختصّ ذلك بالعامد. والثاني : أنه لا شيء فيه ، قاله ابن عباس وابن جبير وطاوس وعطاء وسالم والقاسم وداود. وعن أحمد روايتان ، أصحّهما الوجوب.
قوله تعالى : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : «فجزاء مثل» مضافة وبخفض «مثل». وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائيّ : «فجزاء» منوّن «مثل» مرفوع. قال أبو عليّ : من أضاف ، فقوله تعالى : (مِنَ النَّعَمِ) يكون صفة للجزاء ، وإنّما قال : مثل ما قتل ، وإنّما عليه جزاء المقتول لا جزاء مثله ، لأنّهم يقولون : أنا أكرم مثلك ، يريدون : أنا أكرمك ، فالمعنى : جزاء ما قتل. ومن رفع «المثل» ، فالمعنى : فعليه جزاء من النّعم مماثل للمقتول ، والتقدير : فعليه جزاء. قال ابن قتيبة : النّعم : الإبل ، وقد يكون البقر والغنم ، والأغلب عليها الإبل. وقال الزجّاج : النّعم في اللغة : الإبل والبقر والغنم ، فإن انفردت الإبل ، قيل لها : نعم ، وإن انفردت البقر والغنم ، لم تسمّ نعما.
فصل : قال القاضي أبو يعلى : والصّيد الذي يجب الجزاء بقتله : ما كان مأكول اللحم ، كالغزال ، وحمار الوحش ، والنّعامة ، ونحو ذلك ، أو كان متولّدا من حيوان يؤكل لحمه ، كالسّمع ، فإنه متولّد من الضّبع ، والذّئب ، وما عدا ذلك من السّباع كلّها ، فلا جزاء على قاتلها ؛ سواء ابتدأ قتلها ، أو عدت عليه فقتلها دفعا عن نفسه ، لأنّ السّبع لا مثل له صورة ولا قيمة ، فلم يدخل تحت الآية.
(٤٧٥) ولأنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم أجاز للمحرم قتل الحيّة ، والعقرب ، والفويسقة ، والغراب ، والحدأة ، والكلب العقور ، والسّبع العادي. قال : والواجب بقتل الصّيد فيما له مثل من الأنعام مثله ، وفيما لا مثل
____________________________________
(٤٧٤) صحيح. أخرجه أبو داود ٣٨٠١ وابن ماجة ٣٠٨٥ والدارمي ٢ / ٧٤ والحاكم ١ / ٤٥٢ ، والدارقطني ٢ / ٢٤٦ وابن حبان ٣٩٦٤ من حديث جابر ، وصححه الحاكم على شرطهما وجاء في «تلخيص الحبير» ٢ / ٢٧٨. قال الترمذي : سألت عنه البخاري فصححه ، وكذا صححه عبد الحق ، وجوّده البيهقي ، وأعلّه بعضهم بالوقف.
وانظر «تفسير القرطبي» ٢٨٠٩ بتخريجنا.
(٤٧٥) يشير المصنف للحديث الصحيح الوارد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحرم : الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور». أخرجه البخاري ١٨٢٩ ومسلم ١١٩٨ وأحمد ٦ / ٢٥٩ وابن حبان ٥٦٣٢ وأبو يعلى ٤٥٠٣ والطحاوي ٢ / ١٦٦. والدارقطني ٢ / ٢٣١