مساكين قولان : أحدهما : مدّان من برّ ، وبه قال ابن عباس ، وأبو حنيفة. والثاني : مدّ برّ ، وبه قال الشّافعيّ ، وعن أحمد روايتان ، كالقولين.
قوله تعالى : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) قرأ أبو رزين ، والضّحّاك ، وقتادة ، والجحدريّ ، وطلحة : «أو عدل ذلك» ، بكسر العين. وقد شرحنا هذا المعنى في البقرة. قال أصحابنا : يصوم عن كلّ مدّ برّ ، أو نصف صاع تمر ، أو شعير يوما. وقال أبو حنيفة : يصوم يوما عن نصف صاع في الجميع. وقال مالك ، والشّافعيّ : يصوم يوما عن كلّ مدّ من الجميع.
فصل : وهل هذا الجزاء على التّرتيب ، أم على التّخيير؟ فيه قولان :
أحدهما : أنه على التّخيير بين إخراج النّظير ، وبين الصّيام ، وبين الإطعام.
والثاني : أنه على التّرتيب ، إن لم يجد الهدي ، اشترى طعاما ، فإن كان معسرا صام ، قاله ابن سيرين. والقولان مرويّان عن ابن عباس ، وبالأوّل قال جمهور الفقهاء.
قوله تعالى : (لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) أي : جزاء ذنبه. قال الزجّاج : «الوبال» : ثقل الشيء في المكروه ، ومنه قولهم : طعام وبيل ، وماء وبيل : إذا كانا ثقيلين. قال الله عزوجل : (فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً) أي : ثقيلا شديدا.
قوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ) فيه قولان : أحدهما : ما سلف في الجاهليّة ، من قتلهم الصّيد ، وهم محرمون ، قاله عطاء. والثاني : ما سلف من قتل الصّيد في أوّل مرّة ، حكاه ابن جرير ، والأوّل أصحّ. فعلى القول الأوّل يكون معنى قوله : (وَمَنْ عادَ) في الإسلام ، وعلى الثاني : (وَمَنْ عادَ) ثانية بعد أولى. قال أبو عبيدة : «عاد» في موضع يعود ، وأنشد :
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا |
|
وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا (١) |
قوله تعالى : (فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) «الانتقام» : المبالغة في العقوبة ، وهذا الوعيد بالانتقام لا يمنع إيجاب جزاء ثان إذا عاد ، وهذا قول الجمهور ، وبه قال مالك والشّافعيّ ، وأحمد. وقد روي عن ابن عباس ، والنّخعيّ ، وداود : أنه لا جزاء عليه في الثاني ، إنّما وعد بالانتقام.
(أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩٦))
قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ) قال أحمد : يؤكل كلّ ما في البحر إلا الضّفدع والتّمساح ، لأن التّمساح يأكل الناس يعني : أنه يفرس. وقال أبو حنيفة ، والثّوريّ : لا يباح منه إلا السّمك. وقال ابن أبي ليلى ، ومالك : يباح كلّ ما فيه من ضفدع وغيره.
__________________
(١) البيت لقعنب ابن أم صاحب ، وهو في «اللسان» مادة ـ أذن ـ ملفق من بيتين هما :
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا |
|
مني وما سمعوا من صالح دفنوا |
صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به |
|
وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا |
جهلا علينا وجبنا عن عدوّهم |
|
لبئست الخلتان الجهل والجبن |