فأمّا اتّخاذهم الدّين هزوا ولعبا ، فهو إظهارهم الإسلام وإخفاؤهم الكفر وتلاعبهم بالدّين. والذين أوتوا الكتاب : اليهود والنّصارى ، والكفّار : عبدة الأوثان. قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة : (وَالْكُفَّارَ) بالنّصب على معنى : لا تتّخذوا الكفّار أولياء. وقرأ أبو عمرو والكسائيّ : «والكفار» خفضا ، لقرب الكلام من العامل الجارّ ، وأمال أبو عمرو الألف. (وَاتَّقُوا اللهَ) أن تولّوهم.
(وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (٥٨))
قوله تعالى : (وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) في سبب نزولها قولان :
(٤٤٢) أحدهما : أنّ منادي رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا نادى إلى الصّلاة ، وقام المسلمون إليها ، قالت اليهود : قاموا لا قاموا ، صلّوا لا صلّوا ، على سبيل الاستهزاء والضّحك ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن السّائب.
(٤٤٣) والثاني : أنّ الكفّار لمّا سمعوا الأذان حسدوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمسلمين على ذلك ، وقالوا : يا محمّد لقد أبدعت شيئا لم نسمع به فيما مضى من الأمم الخالية ، فإن كنت تدّعي النّبوّة ، فقد خالفت في هذا الأذان الأنبياء قبلك ، فما أقبح هذا الصّوت ، وأسمج هذا الأمر ، فنزلت هذه الآية ، ذكره بعض المفسّرين.
(٤٤٤) وقال السّدّيّ : كان رجل من النّصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي : أشهد أن محمّدا رسول الله ، قال : حرق الكاذب ، فدخلت خادمه ذات ليلة بنار وهو نائم ، وأهله نيام ، فسقطت شرارة فأحرقت البيت ، فاحترق هو وأهله.
والمناداة : هي الأذان ، واتّخاذهم إيّاها هزوا : تضاحكهم وتغامزهم (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) ما لهم في إجابة الصّلاة ، وما عليهم في استهزائهم بها.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (٥٩))
قوله تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا).
(٤٤٥) سبب نزولها : أنّ نفرا من اليهود أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فسألوه عمّن يؤمن به من الرّسل ، فذكر جميع الأنبياء ، فلمّا ذكر عيسى ، جحدوا نبوّته ، وقالوا : والله ما نعلم دينا شرّا من دينكم ، فنزلت هذه الآية والتي بعدها ، قاله ابن عباس.
وقرأ الحسن ، والأعمش : «تنقمون» بفتح القاف. قال الزجّاج : يقال : نقمت على الرجل أنقم ،
____________________________________
(٤٤٢) عزاه المصنف لابن السائب ، وهو الكلبي ، وتقدم مرارا أنه يضع الحديث.
(٤٤٣) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٤٠٠ م ، بدون إسناد ، ومن غير عزو لقائل ، فهو لا شيء.
(٤٤٤) ضعيف أخرجه الطبري ١٢٢٢٣ عن السدي مرسلا ، فهو ضعيف.
(٤٤٥) ضعيف. أخرجه الطبري ١٢٢٢٤ عن ابن عباس من طريق ابن إسحاق به ، ومداره على محمد بن أبي محمد ، وهو مجهول كما في «التقريب» ، و «الميزان». وانظر «تفسير الشوكاني» ٨١٨ بتخريجنا.