والرّجل اليمنى ، فروي عن أحمد : لا تقطع ، وهو قول أبي بكر ، وعمر ، وعليّ ، وأبي حنيفة ، وروي عنه : أنها تقطع ، وبه قال مالك ، والشّافعيّ. ولا يثبت القطع إلا بإقراره مرتين ، وبه قال ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وأبو يوسف. وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والشّافعيّ : يثبت بمرّة. ويجتمع القطع والغرم موسرا كان أو معسرا. وقال أبو حنيفة : لا يجتمعان ، فإن كانت العين باقية أخذها ربّها ، وإن كانت مستهلكة ، فلا ضمان. وقال مالك : يضمنها إن كان موسرا ، ولا شيء عليه إن كان معسرا (١).
قوله تعالى : (نَكالاً مِنَ اللهِ) قد ذكرنا «النّكال» في البقرة. قوله تعالى : (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) قال سعيد بن جبير : شديد في انتقامه ، حكيم إذا حكم بالقطع. قال الأصمعيّ : قرأت هذه الآية ، وإلى جنبي أعرابيّ ، فقلت : والله غفور رحيم ، سهوا ، فقال الأعرابيّ : كلام من هذا؟ قلت : كلام الله. قال : أعد فأعدت : والله غفور رحيم ، فقال : ليس هذا كلام الله ، فتنبّهت ، فقلت : (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). فقال : أصبت ، هذا كلام الله. فقلت له : أتقرأ القرآن؟ قال : لا. قلت : فمن أين علمت أني أخطأت؟ فقال : يا هذا عزّ فحكم فقطع ، ولو غفر ورحم لما قطع.
(فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٠))
قوله تعالى : (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ). سبب نزولها :
__________________
ويدع له عقبا يمشي عليها ، وهو قول أبي ثور.
ـ قال : وإذا قطع حسم ، وهو أن يغلى الزيت فيغمس عضوه فيه ، لتنسد أفواه العروق اه ملخصا. وانظر «أحكام الجصاص» ٤ / ٦٩ ـ ٧٤ ، و «تفسير القرطبي» ٦ / ١٧١ ـ ١٧٢.
وجاء في «المغني» ١٢ / ٤٤٦ ـ ٤٤٧ ما ملخصه : مسألة : «فإن عاد حبس ، ولا يقطع غير يد ورجل» يعني إذا عاد فسرق بعد قطع يده ورجله ، لم يقطع منه شيء آخر وحبس ، وبهذا قال علي والحسن والشعبي والنخعي والزهري وحماد والثوري وأصحاب الرأي ، وعن أحمد أنه تقطع في الثالثة يده اليسرى ، وفي الرابعة رجله اليمنى ، وفي الخامسة يعزر ويحبس ، وروي عن أبي بكر وعمر أنهما قطعا يد أقطع اليد والرجل ، وهذا قول قتادة ومالك والشافعي وأبي ثور وابن المنذر ، وروي عن عثمان وعمرو بن العاص وعمر بن عبد العزيز ، أنه تقطع يده اليسرى في الثالثة ، والرجل اليمنى في الرابعة ، ويقتل في الخامسة لحديث جابر : «جيء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم بسارق فقال : اقتلوه .....» ولنا ما روى سعيد عن أبي معشر عن سعيد المقبري عن أبيه قال : حضرت عليّ بن أبي طالب ، أتي برجل مقطوع اليد والرجل قد سرق ، فقال لأصحابه : ما ترون في هذا؟ قالوا : اقطعه يا أمير المؤمنين. قال : قتلته إذا ، وما عليه القتل ، بأي شيء يأكل الطعام ، بأي شيء يتوضأ بأي شيء يغتسل ، بأي شيء يقوم على حاجته ، فرده إلى السجن ، ثم جلده جلدا شديدا ثم أرسله اه ملخصا.
وانظر «تفسير القرطبي» ٦ / ١٧٢ و «أحكام الجصاص» ٤ / ٧٢ ـ ٧٣.
(١) قال الإمام الموفق في «المغني» ١٢ / ٤٥٤ ما ملخصه : لا يختلف أهل العلم في وجوب رد العين المسروقة إذا كانت باقية ، فأما إن كانت تالفة ، فعلى السارق رد قيمتها ، أو مثلها إن كانت مثلية ، قطع أو لم يقطع ، موسرا كان أو معسرا ، وهذا قول الحسن والنخعي وحماد والبتّي والليث والشافعي وإسحاق وأبي ثور ، وقال الثوري وأبو حنيفة : لا يجتمع الغرم والقطع ، إن غرمها قبل القطع سقط القطع ، وإن قطع قبل الغرم سقط الغرم ، وقال عطاء وابن سيرين والشعبي ومكحول : لا غرم على السارق إذا قطع ، ووافقهم مالك في المعسر ، ووافقنا في الموسر. وانظر «أحكام الجصاص» ٤ / ٨٣ ـ ٨٤.