(إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (١٤٩))
قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً) قال ابن عباس : يريد من أعمال البرّ كالصّيام والصّدقة. وقال بعضهم : إن تبدوا خيرا بدلا من السوء. وأكثرهم على أن «الهاء» في (تُخْفُوهُ) تعود إلى الخير. وقال بعضهم : تعود إلى السوء. قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا) قال أبو سليمان : أي : لم يزل ذا عفو مع قدرته ، فاعفوا أنتم مع القدرة.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١٥٠))
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ) فيهم قولان : أحدهما : أنهم اليهود ، كانوا يؤمنون بموسى ، وعزير ، والتّوراة ، ويكافرون بعيسى ، والإنجيل ، ومحمّد ، والقرآن ، قاله ابن عباس. والثاني : أنهم اليهود والنّصارى ، آمن اليهود بالتّوراة وموسى ، وكفروا بالإنجيل وعيسى ، وآمن النّصارى بالإنجيل وعيسى ، وكفروا بمحمّد والقرآن ، قاله قتادة.
ومعنى قوله تعالى : (وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ) أي : يريدون أن يفرّقوا بين الإيمان بالله ، والإيمان برسله ، ولا يصحّ الإيمان به والتكذيب برسله أو ببعضهم (وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ) أي : بين إيمانهم ببعض الرّسل ، وتكذيبهم ببعض (سَبِيلاً) أي : مذهبا يذهبون إليه ، وقال ابن جريج : دينا يدينون به.
(أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٥١) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٥٢))
قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) ذكر «الحقّ» هاهنا توكيا لكفرهم إزالة لتوهّم من يتوهّم أنّ إيمانهم ببعض الرّسل يزيل عنهم اسم الكفر.
(يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (١٥٣))
قوله تعالى : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ) في سبب نزولها ثلاثة أقوال (١) :
أحدها : أنهم سألوه أن ينزّل كتابا عليهم خاصّة ، هذا قول الحسن ، وقتادة.
__________________
(١) قال الإمام الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ٣٤٦ : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن أهل التوراة سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يسأل ربه أن ينزل عليهم كتابا من السماء ، آية معجزة جميع الخلق عن أن يأتوا بمثلها ، شاهدة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بالصدق ، آمرة لهم باتباعه.