سليمان : نشوزا ، أي : نبوّا عنها إلى غيرها ، أو إعراضا عنها ، واشتغالا بغيرها. (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : «يصّالحا» بفتح الياء والتشديد. والأصل : «يتصالحا» ، فأدغمت التاء في الصاد. وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائيّ : «يصلحا» بضم الياء والتخفيف. قال المفسّرون : والمعنى : أن يوقعا بينهما أمرا يرضيان به ، وتدوم بينهما الصّحبة ، مثل أن تصبر على تفضيله. وروي عن عليّ ، وابن عباس : أنهما أجازا لهما أن يصطلحا على ترك بعض مهرها ، أو بعض أيامها ، بأن يجعله لغيرها.
وفي قوله تعالى : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) قولان (١) : أحدهما : خير من الفرقة ، قاله مقاتل ، والزجّاج. والثاني : خير من النّشوز والإعراض ، ذكره الماورديّ. قال قتادة : متى ما رضيت بدون ما كان لها ، واصطلحا عليه ، جاز ، فإن أبت لم يصلح أن يحبسها على الخسف.
قوله تعالى : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) «أحضرت» بمعنى : ألزمت. و «الشّح» : الإفراط في الحرص على الشّيء. وقال ابن فارس : «الشّح» : البخل مع الحرص ، وتشاحّ الرجلان على الأمر : لا يريدان أن يفوتهما ، وفيمن يعود إليه هذا الشّح من الزوجين قولان : أحدهما : المرأة ، فتقديره : وأحضرت نفس المرأة الشّح بحقّها من زوجها ، هذا قول ابن عباس ، وسعيد بن جبير. والثاني : الزّوجان جميعا ، فالمرأة تشحّ على مكانها من زوجها ، والرجل يشحّ عليها بنفسه إذا كان غيرها أحبّ إليه ، هذا قول الزجّاج. وقال ابن زيد : لا تطيب نفسه أن يعطيها شيئا فتحلّله ، ولا تطيب نفسها أن تعطيه شيئا من مالها ، فتعطّفه عليها.
قوله تعالى : (وَإِنْ تُحْسِنُوا) فيه قولان : أحدهما : بالصّبر على التي يكرها. والثاني : بالإحسان إليها في عشرتها. قوله تعالى : (وَتَتَّقُوا) يعني الجور عليها (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) فيجازيكم عليه.
(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٢٩))
قوله تعالى : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ) قال أهل التفسير : لن تطيقوا أن تسووا بينهنّ في المحبة التي هي ميل الطّباع ، لأن ذلك ليس من كسبكم (وَلَوْ حَرَصْتُمْ) على ذلك (فَلا تَمِيلُوا) إلى التي تحبّون في النّفقة والقسم. وقال مجاهد : لا تتعمّدوا الإساءة فتذروا الأخرى كالمعلّقة قال ابن عباس : المعلّقة : التي لا هي أيّم ، ولا ذات بعل. وقال قتادة : المعلّقة : المسجونة. قوله تعالى : (وَإِنْ تُصْلِحُوا) أي : بالعدل في القسمة (وَتَتَّقُوا) الجور (فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً) لميل القلوب.
__________________
(١) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ١٠ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣ : وإذا خافت المرأة نشوز زوجها وإعراضه عنها ، لرغبته عنها ، إما لمرض بها أو كبر أو دمامة ، فلا بأس أن تضع عنه بعض حقوقها تسترضيه بذلك ، لقول الله تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً ...) الآية. ومتى صالحته على ترك شيء من قسمها أو نفقتها أو على ذلك كله ، جاز ، فإن رجعت ، فلها ذلك. قال أحمد ، في الرجل يغيب عن امرأته ، فيقول لها : إن رضيت على هذا وإلا فأنت أعلم. فتقول : قد رضيت. فهو جائز ، فإن شاءت رجعت.