فأما المفسّرون ، فلهم في معنى الإناث أربعة أقوال (١) : أحدها : أن الإناث بمعنى الأموات ، قاله ابن عباس : والحسن في رواية ، وقتادة. وقال الحسن : كلّ شيء لا روح فيه ، كالحجر ، والخشبة ، فهو إناث. قال الزجّاج : والموات كلّها يخبر عنها ، كما يخبر عن المؤنّث ، تقول من ذلك : الأحجار تعجبني ، والدّراهم تنفعني. والثاني : أن الإناث. الأوثان ، وهو قول عائشة ، ومجاهد. والثالث : أن الإناث اللّات والعزّى ومناة ، كلّهن مؤنّث ، وهذا قول أبي مالك ، وابن زيد والسّدّيّ. وروى أبو رجاء عن الحسن قال : لم يكن حيّ من أحياء العرب إلّا ولهم صنم يسمّونه : أنثى بني فلان ، فنزلت هذه الآية. قال الزجّاج : والمعنى : ما يدعون إلا ما يسمّونه باسم الإناث. والرابع : أنها الملائكة كانوا يزعمون أنها بنات الله ، قاله الضّحّاك.
وفي المراد بالشّيطان ثلاثة أقوال : أحدها : شيطان يكون في الصّنم. قال ابن عباس : في كل صنم شيطان يتراءى للسّدنة فيكلّمهم. وقال أبيّ بن كعب : مع كل صنم جنّيّة. والثاني : أنه إبليس ، وعبادته : طاعته فيما سوّل لهم ، هذا قول مقاتل ، والزجّاج. والثالث : أنه أصنامهم التي عبدوا ، ذكره الماورديّ. فأما «المريد» فقال الزجّاج : «المريد» : المارد ، وهو الخارج عن الطّاعة ، ومعناه : أنه قد مرد في الشّر ، يقال : مرد الرجل يمرد مرودا : إذا عتا ، وخرج عن الطاعة. وتأويل المرود : أن يبلغ الغاية التي يخرج بها من جملة ما عليه ذلك الصّنف ، وأصله في اللغة : املساس الشيء ، ومنه قيل للإنسان : أمرد : إذا لم يكن في وجهه شعر ، وكذلك يقال : شجرة مرداء : إذا تناثر ورقها ، وصخرة مرداء : إذا كانت ملساء.
وفي قوله تعالى : (لَعَنَهُ اللهُ) قولان : أحدهما : أنه ابتداء دعاء عليه باللعن ، وهو قول من قال : هو الأوثان. والثاني : أنه إخبار عن لعن متقدّم ، وهو قول من قال : هو إبليس.
قال ابن جرير : المعنى : قد لعنه الله. قال ابن عباس : معنى الكلام : دحره الله ، وأخرجه من الجنة. (وَقالَ) يعني إبليس : (لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً). قال ابن قتيبة : أي حظّا افترضته لنفسي منهم ، فأضلّهم. وقال مقاتل : النّصيب المفروض في اللغة : القطع أنّ من كل ألف إنسان واحد في الجنة ، وسائرهم في النار. قال الزّجاج : «الفرض» في اللغة : القطع ، و «الفرضة» : الثّلمة تكون في النهر. و «الفرض» في القوس : الحزّ الذي يشدّ فيه الوتر ، والفرض فيما ألزمه الله العباد : جعله حتما عليهم قاطعا.
(وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (١١٩))
__________________
(١) قال الإمام الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ٢٧٩ : وأولى التأويلات من قال : عنى بذلك الآلهة التي كان مشركو العرب يعبدونها من دون الله ويسمونها الإناث من الأسماء ، كاللات والعزّى ونائلة ومناة. وإنما قلنا ذلك بتأويل الآية ، لأن الأظهر من معاني الإناث في كلام العرب ما عرّف بالتأنيث دون غيره. يقول جل ثناؤه :
حسب هؤلاء الذين أشركوا بالله وعبدوا ما عبدوا من دونه من الأوثان والأنداد ، حجة عليهم في ضلالتهم وكفرهم وذهابهم عن قصد السبيل ، أنهم يعبدون إناثا ويدعونها آلهة أربابا. والإناث من كل شيء أخسّه ، فهم يقرّون للخسيس من الأشياء بالعبودية على علم منهم بخساسته ، ويمتنعون من إخلاص العبودية للذي له ملك كل شيء وبيده الخلق والأمر.