قوله تعالى : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) قال ابن عباس : عن سبيل الهدى ، وقال غيره : ليس له من الضلال سوى الدّعاء إليه. وفي قوله تعالى : (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) أربعة أقوال : أحدها : أنه الكذب الذي يخبرهم به ، قال ابن عباس : يقول لهم : لا جنّة ، ولا نار ، ولا بعث. والثاني : أنه التّسويف بالتّوبة ، روي عن ابن عباس. والثالث : أنه إيهامهم أنهم سينالون من الآخرة حظّا ، قاله الزجّاج. والرابع : أنه تزيين الأماني لهم ، قاله أبو سليمان.
قوله تعالى : (فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ) قال قتادة ، وعكرمة ، والسّدّيّ : هو شقّ أذن البحيرة ، قال الزجّاج : ومعنى «يبتّكن» يشقّقن ، يقال : بتكت الشيء أبتكه بتكا : إذا قطعته ، وبتكه وبتك ، مثل قطعه وقطع. وهذا في البحيرة كانت الجاهلية إذا ولدت الناقة خمسة أبطن ، وكان الخامس ذكرا ، شقّوا أذن النّاقة ، وامتنعوا من الانتفاع بها ، ولم تطرد عن ماء ، ولا مرعى ، وإذا لقيها المعيي ، لم يركبها. سوّل لهم إبليس أنّ هذا قربة إلى الله تعالى.
وفي المراد بتغيير خلق الله خمسة أقوال (١) : أحدها : أنه تغيير دين الله ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال الحسن في رواية ، وسعيد بن المسيب وابن جبير والنّخعيّ والضّحّاك والسّدّيّ وابن زيد ومقاتل. وقيل : معنى تغيير الدّين : تحليل الحرام وتحريم الحلال. والثاني : أنه تغيير الخلق بالخصاء ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وهو مرويّ عن أنس بن مالك ، وعن مجاهد وقتادة وعكرمة ، كالقولين. والثالث : أنه التغيير بالوشم ، وهو قول ابن مسعود ، والحسن في رواية. والرابع : أنه تغيير أمر الله ، رواه أبو شيبة عن عطاء. والخامس : أنه عبادة الشّمس والقمر والحجارة ، وتحريم ما حرّموا من الأنعام ، وإنما خلق ذلك للانتفاع به ، قاله الزجّاج.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ) في المراد بالوليّ قولان : أحدهما : أنه بمعنى الرّبّ ، قاله مقاتل. والثاني : من الموالاة ، قاله أبو سليمان الدّمشقيّ.
فإن قال قائل : من أين لإبليس العلم بالعواقب حتى قال : ولأضلّنّهم. وقال في سورة الأعراف (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) (٢). وقال في سورة بني إسرائيل (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) (٣) ، فعنه ثلاثة أجوبة. أحدها : أنه ظنّ ذلك ، فتحقّق ظنّه ، وذلك قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) (٤) قاله الحسن ، وابن زيد. وفي سبب ذلك الظّنّ قولان : أحدهما : أنه لمّا قال الله تعالى له : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ
__________________
(١) قال الإمام الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ٢٨٥ : وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك ، قول من قال : معناه (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) قال : دين الله ، وذلك لدلالة الآية الأخرى على أن ذلك معناه ، وهي قوله : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ).
وقال ابن كثير رحمهالله في تفسيره ١ / ٥٦٩ : على قول من جعل ذلك أمرا أي لا تبدلوا فطرة الله ودعوا الناس على فطرتهم. كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه أو يمجسانه كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء هل تجدون بها من جدعاء». وفي صحيح مسلم عن عياض بن حماد قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قال الله عزوجل : إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم».
(٢) سورة الأعراف : ١٧.
(٣) سورة الإسراء : ٦٢.
(٤) سورة سبأ : ٢٠.