اختيار القاضي أبي يعلى ، وأبي سليمان الدّمشقيّ.
(وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (١١٥))
قوله تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) في سبب نزولها قولان :
(٣٦٤) أحدهما : أنه لمّا نزل القرآن بتكذيب طعمة ، وبيان ظلمه ، وخاف على نفسه من القطع والفضيحة ، هرب إلى مكّة ، فلحق بأهل الشّرك ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول ابن عباس ، وقتادة ، وابن زيد ، والسّدّيّ.
(٣٦٥) وقال مقاتل : لمّا قدم مكّة نزل على الحجّاج بن علاط السّلميّ فأحسن نزله ، فبلغه أنّ في بيته ذهبا ، فخرج في الليل فنقب حائط البيت ، فعلموا به فأحاطوا بالبيت ، فلما رأوه ، أرادوا أن يرجموه ، فاستحيا الحجّاج ، لأنه ضيفه ، فتركوه ، فخرج ، فلحق بحرّة بني سليم يعبد صنمهم حتى مات على الشّرك ، فنزل فيه : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ). وقال غيره : بل خرج مع تجّار فسرق منهم شيئا ، فرموه بالحجارة حتى قتلوه ، وقيل : ركب سفينة ، فسرق فيها مالا ، فعلم به ، فألقي في البحر.
والقول الثاني : أنّ قوما قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأسلموا ، ثم ارتدّوا ، فنزلت فيهم هذه الآية ، روي عن ابن عباس.
ومعنى الآية : ومن يخالف الرسول في التّوحيد ، والحدود ، من بعد ما تبيّن له التّوحيد والحكم ، ويتّبع غير دين المسلمين ، نولّه ما تولّى ، أي : نكله إلى ما اختار لنفسه ، ونصله جهنّم : ندخله إيّاها. قال ابن فارس : تقول صليت اللحم أصليه : إذا شويته ، فإن أردت أنك أحرقته ، قلت : أصليته. وساءت مصيرا ، أي : مرجعا يصار إليه (١).
____________________________________
(٣٦٤) انظر الأحاديث المتقدمة (عند الآية ١٠٥).
(٣٦٥) عزاه المصنف لمقاتل ، وهو ابن سليمان ، وقد كذبه غير واحد ، فخبره لا شيء.
وذكره البغوي في «تفسيره» ١ / ٤٨٠ بدون إسناد ، ومن غير عزو لأحد.
__________________
(١) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ١ / ٥٦٨ : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) أي ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلىاللهعليهوسلم فصار في شق والشرع في شق وذلك عن عمد منه بعد ما ظهر له الحق وتبين له واتضح له وقوله : (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) هذا ملازم للصفة الأولى ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك ، وقد ذكرنا منها طرفا صالحا في كتاب «أحاديث الأصول» ومن العلماء من ادّعى تواتر معناها ، والذي عوّل عليه الشافعي رحمهالله في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة بعد التروي والفكر الطويل وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدلالة منها على ذلك ولهذا توعد تعالى على ذلك بقوله : (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) أي إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك بأن نحسنها في صدره ونزينها له استدراجا له كما قال تعالى : (فَذَرْنِي وَمَنْ