الزجّاج : وما يضلّون إلا أنفسهم ، لأنهم يعملون عمل الضّالّين ، فيرجع الضّلال إليهم.
فأما «الكتاب» ، فهو القرآن. وفي «الحكمة» ثلاثة أقوال : أحدها : القضاء بالوحي ، قاله ابن عباس. والثاني : الحلال والحرام ، قاله مقاتل. والثالث : بيان ما في الكتاب ، وإلهام الصّواب ، وإلقاء صحّة الجواب في الرّوع ، قاله أبو سليمان الدّمشقيّ. وفي قوله تعالى : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الشّرع ، قاله ابن عباس ومقاتل. والثاني : أخبار الأوّلين والآخرين ، قاله أبو سليمان. والثالث : الكتاب والحكمة ، ذكره الماورديّ. وفي قوله تعالى : (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) ثلاثة أقوال : أحدها : أنه المنّة بالإيمان. والثاني : المنّة بالنّبوّة ، هذان عن ابن عباس.
والثالث : أنه عامّ في جميع الفضل الذي خصّه الله به ، قاله أبو سليمان.
(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١١٤))
قوله تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) قال ابن عباس : هم قوم طعمة ، وقال مقاتل : وكلّهم يهود تناجوا في أمر طعمة ، وقال مجاهد : هو عامّ في نجوى جميع الناس. قال الزجّاج : ومعنى النّجوى : ما تنفرد به الجماعة أو الاثنان ، سرّا كان أو ظاهرا. ومعنى «نجوت الشيء» في اللغة. خلّصته وألقيته ، يقال : نجوت الجلد : إذا ألقيته عن البعير وغيره. قال الشاعر :
فقلت انجوا عنها نجا الجلد إنّه |
|
سيرضيكما منها سنام وغاربه (١) |
وقد نجوت فلانا : إذا استنكهته ، قال الشاعر :
نجوت مجالدا فوجدت منه |
|
كريح الكلب مات قديم عهد (٢) |
وأصله كلّه من النّجوة ، وهو ما ارتفع من الأرض ، قال الشاعر يصف سيلا :
فمن بنجوته كمن بعقوته |
|
والمستكنّ كمن يمشي بقرواح (٣) |
والمراد بنجواهم : ما يدبّرونه بينهم من الكلام.
فأمّا قوله : (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) فيجوز أن يكون بمعنى : إلا في نجوى من أمر بصدقة ، ويجوز أن يكون استثناء ليس من الأوّل ، فيكون بمعنى : لكن من أمر بصدقة ، ففي نجواهم خير. وأمّا قوله تعالى : (أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) فالمعنى : حثّ عليها. وأما المعروف ، ففيه قولان :
أحدهما : أنه الفرض ، روي عن ابن عباس ، ومقاتل. والثاني : أنه عامّ في جميع أفعال البرّ ، وهو
__________________
(١) البيت لأبي الغمر الكلابي كما في «الخزانة» ٢ / ٢٢٧ ونسب أيضا إلى عبد الرحمن بن ثابت وقال ابن السيرافي في «إصلاح المنطق» ٩٤ : يريد قشّر عنها لحمها وشحمها ، كما يقشر الجلد فإنها سمينة. وغاربها : ما بين السنام والعنق.
(٢) البيت في «الحيوان» للحكم بن عبدل الأسدي.
(٣) البيت لأوس بن حجر في «ديوانه» ١٦. وهو في «اللسان» لعبيد بن الأبرص وفي «ديوانه» ٥٣ ، والعقوة : الساحة وما حول الدار والمحلة ، والقرواح : البارز الذي ليس يستره من السماء شيء. وقيل : الناقة الطويلة.
وكذلك النخلة الطويلة يقال لها : قرواح.