(وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨))
قوله تعالى : (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) أي : يخوّنون أنفسهم ، فيجعلونها خائنة بارتكاب الخيانة. قال عكرمة : والمراد بهم : طعمة بن أبيرق ، وقومه الذين جادلوا عنه.
(٣٦١) وفي حديث العوفيّ عن ابن عباس قال : انطلق نفر من عشيرة طعمة ليلا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : إنّ صاحبنا بريء.
و «الاستخفاء» : الاستتار ، والمعنى : يستترون من النّاس لئلّا يطّلعوا على خيانتهم وكذبهم ، ولا يستترون من الله ، وهو معهم بالعلم. وكل ما فكّر فيه ، أو خيض فيه بليل ، فقد بيّت. وجمهور العلماء على أن المشار إليه بالاستخفاء والتّبييت ، قوم طعمة. والذي بيّتوا : احتيالهم في براءة صاحبهم بالكذب. وقال الزجّاج : هو السّارق نفسه ، والذي بيّت أنه قال : أرمي اليهوديّ بأنّه سارق الدّرع ، وأحلف أني لم أسرقها ، فتقبل يميني ، ولا تقبل يمين اليهوديّ.
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (١٠٩))
قوله تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ) قال الزجّاج : «ها» للتنبيه ، وأعيدت في أوّله. والمعنى : ها أنتم الذين جادلتم. و «المجادلة ، والجدال» : شدّة المخاصمة ، و «الجدل» : شدة الفتل. والكلام يعود إلى من احتجّ عن السّارق. فأما قوله : «عنهم» فإنه عائد إلى السّارق. و «عليهم» بمعنى «لهم». والوكيل : القائم بأمر من وكّله. فكأنه قال : من الذي يتوكّل لهم منكم في خصومة ربّهم؟!
(وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً (١١٠))
قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) اختلفوا في نزولها على ثلاثة أقوال : أحدها : أنها نزلت خطابا للسّارق ، وعرضا للتّوبة عليه. رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال ابن زيد ، ومقاتل. والثاني : أنها للذين جادلوا عنه من قومه ، رواه العوفيّ عن ابن عباس. والثالث : أنه عنى بها كلّ مسيء ومذنب. ذكره أبو سليمان الدّمشقيّ. وإطلاقها لا يمنع أن تكون نزلت على سبب. وفي هذا السّوء ثلاثة أقوال : أحدها : أنه السّرقة. والثاني : الشّرك. والثالث : أنه كلّ ما يأثم به. وفي هذا الظّلم قولان : أحدهما : أنه رمي البريء بالتّهمة. والثاني : ما دون الشّرك.
(وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١١١))
قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً) أي : ومن يعمل ذنبا (فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ) يقول : إنّما يعود
____________________________________
(٣٦١) هو بعض المتقدم.