أهل بيت منّا يرمونهم بالسّرقة وهم أهل بيت إسلام وصلاح ، فقال النبيّ لقتادة : رميتهم بالسّرقة على غير بيّنة! فنزلت هذه الآيات. قاله قتادة بن النّعمان.
والكتاب : القرآن. والحقّ : الحكم بالعدل. (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ) : أي لتقضي بينهم. وفي قوله تعالى : (بِما أَراكَ اللهُ) قولان (١) : أحدهما : أنه الذي علّمه ، والذي علّمه أن لا يقبل دعوى أحد على أحد إلا ببرهان. والثاني : أنه ما يؤدّي إليه اجتهاده ، ذكره الماورديّ.
قوله تعالى : (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) قال الزجّاج : لا تكن مخاصما ، ولا دافعا عن خائن. واختلفوا هل خاصم عنه أم لا؟ على قولين : أحدهما : أنه قام خطيبا فعذره. رواه العوفيّ عن ابن عباس (٢). والثاني : أنه همّ بذلك ، ولم يفعله ، قاله سعيد بن جبير ، وقتادة (٣).
قال القاضي أبو يعلى : وهذه الآية تدلّ على أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن غيره في إثبات حق أو نفيه ، وهو غير عالم بحقيقة أمره ، لأن الله تعالى عاتب نبيّه على مثل ذلك.
(وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦))
قوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) في الذي أمر بالاستغفار منه قولان (٤) :
أحدهما : أنه القيام بعذر. والثاني : أنه العزم على ذلك.
__________________
(١) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ١ / ٥٦٣ : وقوله (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) احتج به من ذهب من علماء الأصول إلى أنه كان صلىاللهعليهوسلم له أن يحكم بالاجتهاد بهذه الآية وبما ثبت في الصحيحين عن أم سلمة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته فخرج إليهم فقال «ألا إنما أنا بشر وإنما أقضي بنحو مما أسمع ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له ، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو ليذرها». وروى الإمام أحمد عن أم سلمة قالت : جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مواريث بينهما قد درست ليس عندهما بينة فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنكم تختصمون إليّ وإنما أنا بشر ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها انتظاما في عنقه يوم القيامة» فبكى الرجلان وقال كل منهما حقي لأخي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أما إذا قلتما فاذهبا فاقتسما. ثم توخيا الحق بينكما ثم استهما ، ثم ليحلل كل منكما صاحبه».
(٢) واه. أخرجه الطبري ١٠٤١٨ عن ابن عباس من رواية عطية العوفي ، واه.
(٣) هذا ضعيف بل منكر ، والصواب ما تقدم من وجوه ، وأن السرقة وقعت.
(٤) قال القرطبي رحمهالله في «تفسيره» ٥ / ٣٥٩ : ذهب الطبري إلى أن المعنى. استغفر الله من ذنبك في خصامك للخائنين ، فأمره بالاستغفار لما همّ بالدفع عنهم وقطع يد اليهودي. وهذا مذهب من جوّز الصغائر على الأنبياء. صلوات الله عليهم وسلامه. قال ابن عطية : وهذا ليس بذنب ؛ لأن النبي صلىاللهعليهوسلم إنما دافع على الظاهر وهو يعتقد براءتهم. والمعنى : استغفر الله للمذنبين من أمتك والمتخاصمين بالباطل ، ومحلك من الناس أن تسمع من المتداعيين وتقضي بنحو ما تسمع ، وتستغفر للمذنب. وقيل : هو أمر بالاستغفار على طريق التسبيح ، كالرجل يقول : أستغفر الله على وجه التسبيح من غير أن يقصد توبة من ذنب. وقيل : الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم والمراد بنو أبيرق.