النّصر وإظهار دينكم والجنّة. وعلى الثاني : تخافون من عذاب الله ما لا يخافون.
(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥))
قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) في سبب نزولها ثلاثة أقوال :
(٣٥٨) أحدها : أن طعمة بن أبيرق سرق درعا لقتادة بن النّعمان ، وكان الدّرع في جراب فيه دقيق ، فجعل الدقيق ينتشر من خرق في الجراب ، حتى انتهى إلى الدّار ، ثم خبّأها عند رجل من اليهود ، فالتمست الدّرع عند طعمة ، فلم توجد عنده ، وحلف : ما لي بها علم ، فقال أصحابها : بلى والله ، لقد دخل علينا فأخذها ، وطلبنا أثره حتى دخل داره ، فرأينا أثر الدّقيق ، فلمّا حلف تركوه ، واتّبعوا أثر الدّقيق حتى انتهوا إلى منزلي اليهوديّ فأخذوه ، فقال : دفعها إليّ طعمة ، فقال قوم طعمة : انطلقوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وليجادل عن صاحبنا فإنه بريء ، فأتوه فكلّموه في ذلك ، فهمّ أن يفعل ، وأن يعاقب اليهوديّ ، فنزلت هذه الآيات كلها. رواه أبو صالح عن ابن عباس.
(٣٥٩) والثاني : أنّ رجلا من اليهود ، استودع طعمة بن أبيرق درعا ، فخانها ، فلما خاف اطّلاعهم عليها ، ألقاها في دار أبي مليل الأنصاريّ ، فجادل قوم طعمة عنه ، وأتوا إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فسألوه أن يبرّئه ، ويكذّب اليهوديّ ، فنزلت الآيات. هذا قول السّدّيّ ، ومقاتل.
(٣٦٠) والثالث : أن مشربة (١) رفاعة بن زيد نقبت ، وأخذ طعامه وسلاحه ، فاتّهم به بنو أبيرق ، وكانوا ثلاثة : بشير ، ومبشّر ، وبشر ، فذهب قتادة بن النّعمان إلى النبيّ عليهالسلام فقال : يا رسول الله إنّ أهل بيت منّا فيهم جفاء (٢) نقبوا مشربة لعمي رفاعة بن زيد ، وأخذوا سلاحه ، وطعامه ، فقال : أنظر في ذلك ، فذهب قوم من قوم بني أبيرق إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : إنّ قتادة بن النّعمان ، وعمّه عمدوا إلى
____________________________________
(٣٥٨) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٣٦١ بدون إسناد ، وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» ١ / ٥٦١ : ذكره الثعلبي من رواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. وانظر «أسباب النزول» ٣٧٣ و ٣٧٤ للسيوطي.
وأخرجه الطبري ١٠٤١٧ من رواية سعيد عن قتادة مرسلا مع اختلاف يسير. ويشهد لهذا الخبر الحديث الآتي برقم ٣٦٠.
(٣٥٩) مرسل. أخرجه الطبري ١٠٤٢٠ عن السدي مرسلا ، ويشهد لأصله ما بعده.
(٣٦٠) حسن. أخرجه الترمذي ٣٠٣٦ والحاكم ٤ / ٣٨٥ والطبري ١٠٤١٦ من حديث قتادة بن النعمان ، وفيه ابن إسحاق مدلس ، وقد عنعن. وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي. وورد مختصرا عن قتادة مرسلا أخرجه الطبري ١٠٤١٧ ، وورد موصولا عن ابن عباس أخرجه الطبري ١٠٤١٨ وفيه عطية العوفي ، واه. وكرره ١٠٤١٩ عن ابن زيد ، وهو عبد الرحمن ، مرسلا و ١٠٤٢٠ عن السدي مرسلا و ١٠٤٢١ عن عكرمة مرسلا و ١٠٤٢٢ عن الضحاك مرسلا. فهذه الروايات تتأيد بمجموعها ، فالحديث حسن في أقل تقدير ، والله أعلم. وانظر «تفسير الشوكاني» ٧٠٧ بتخريجنا.
__________________
(١) في «اللسان» المشربة والمشربة ، بالفتح والضم : الغرفة ؛ والمشارب : العلاليّ. وفي الحديث : أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان في مشربة له أي كان في غرفة.
(٢) في «اللسان» : الجفاء يكون في الخلقة والخلق ، يقال : رجل جافي الخلقة إذا كان كزّا غليظ العشرة والخرق في المعاملة والتحامل عند الغضب والسورة على الجليس.