قوله تعالى : (كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) أي : فرضا. وفي «الموقوتا» قولان :
أحدهما : أنه بمعنى المفروض ، قاله ابن عباس. ومجاهد ، والسّدّيّ ، وابن زيد. والثاني : أنه الموقّت في أوقات معلومة ، وهو قول ابن مسعود ، وقتادة ، وزيد بن أسلم ، وابن قتيبة.
(وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤))
قوله تعالى : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ) قال أهل التفسير :
(٣٥٧) سبب نزولها : أنّ النبيّ عليهالسلام أمر أصحابه لمّا انصرفوا من أحد أن يسيروا في أثر أبي سفيان وأصحابه ، فشكوا ما بهم من الجراحات ، فنزلت هذه الآية.
قال الزجّاج : ومعنى «تهنوا» : تضعفوا ، يقال : وهن يهن : إذا ضعف ، وكلّ ضعف فهو وهن. وابتغى القوم : طلبهم بالحرب. و «القوم» هاهنا : الكفّار (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ) أي : توجعون ، فإنهم يجدون من الوجع بما ينالهم من الجراح والتّعب ، كما تجدون ، وأنتم مع ذلك ترجون ما لا يرجون. وفي هذا الرّجاء قولان : أحدهما : أنه الأمل ، قاله مقاتل. قال الزجّاج : وهو إجماع أهل اللغة الموثوق بعلمهم. والثاني : أنه الخوف ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. قال الفرّاء : ولم نجد الخوف بمعنى الرّجاء إلا ومعه جحد ، فإذا كان كذلك كان الخوف على جهة الرجاء والخوف ، وكان الرجاء كذلك ، كقوله تعالى : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) (١) وقوله : (لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) (٢) قال الشاعر :
لا ترتجي حين تلاقي الذّائدا |
|
أسبعة لاقت معا أم واحدا (٣) |
وقال الهذليّ :
إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها |
|
وخالفها في بيت نوب عوامل (٤) |
ولا يجوز رجوتك وأنت تريد خفتك ، ولا خفتك وأنت تريد رجوتك. قال الزجّاج : وإنما اشتمل الرّجاء على معنى الخوف ، لأنه أمل قد يخاف أن لا يتمّ ، فعلى القول الأول يكون المعنى : ترجون
____________________________________
(٣٥٧) ذكره البغوي في تفسيره ١ / ٤٧٦ بدون إسناد. وأخرجه الطبري ١٠٤١٢ عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما كان قتال أحد ، وأصاب المسلمين ما أصاب ، صعد النبي صلىاللهعليهوسلم الجبل ، فجاء أبو سفيان فقال : «يا محمد ، ألا تخرج؟ ألا تخرج؟ الحرب سجال ، يوم لنا ويوم لكم». فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأصحابه : «أجيبوه». فقالوا : لا سواء ، لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار. فقال أبو سفيان : «أعل هبل» فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قولوا له : الله أعلى وأجل» فقال أبو سفيان : «موعدنا وموعدكم بدر الصغرى» ونام المسلمون وبهم الكلوم. وقال عكرمة وفيها نزلت الآية (آل عمران : ١٤٠) وهذه الآية (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ) ولم يذكر الطبري أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث طائفة في آثارهم وأنهم شكوا ألم الجراحات.
__________________
(١) سورة نوح : ١٣.
(٢) سورة الجاثية : ١٤.
(٣) البيت في «اللسان» دون نسبة لقائل ، والذائد ، من ذاد الإبل : إذا طردها وساقها ودفعها.
(٤) في «اللسان» : النوب : جمع نائب : وهو صفة للنحل ترعى ثم تنوب إلى بيتها لتصنع عسلها ، تجيء وتذهب ، والعوامل : التي تعمل العسل.