قوله تعالى : (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) قال ابن عباس : يريد الذين صلّوا أوّلا. وقال الزجّاج : يجوز أن يريد به الذين وجاه العدوّ ، لأن المصلّي غير مقاتل ، ويجوز أن يكون الجماعة أمروا بحمل السّلاح ، لأنه أرهب للعدوّ ، وأحرى أن لا يقدموا عليهم. و «الجناح» الإثم ، وهو من : جنحت : إذا عدلت عن المكان ، وأخذت جانبا عن القصد. فالمعنى : أنكم إذا وضعتم أسلحتكم ، لم تعدلوا عن الحقّ.
قوله تعالى : (إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ) قال ابن عباس : رخّص لهم في وضع الأسلحة لثقلها على المريض وفي المطر ، وقال : وخذوا حذركم كي لا يتغفّلوكم.
(فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (١٠٣))
قوله تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ) يعني صلاة الخوف ، و (قَضَيْتُمُ) بمعنى : فرغتم.
قوله تعالى : (فَاذْكُرُوا اللهَ) في هذا الذّكر قولان : أحدهما : أنه الذّكر لله في غير الصّلاة ، وهذا قول ابن عباس ، والجمهور قالوا : وهو التّسبيح ، والتّكبير ، والدّعاء ، والشّكر. والثاني : أنّه الصلاة ، فيكون المعنى : فصلّوا قياما ، فإن لم تستطيعوا فقعودا ، فإن لم تستطيعوا فعلى جنوبكم ، هذا قول ابن مسعود. وفي المراد بالطّمأنينة قولان : أحدهما : أنه الرجوع إلى الوطن عن السّفر ، وهو قول الحسن ، ومجاهد وقتادة. والثاني : أنه الأمن بعد الخوف ، وهو قول السّدّيّ ، والزجّاج ، وأبي سليمان الدّمشقيّ. وفي إقامة الصّلاة قولان : أحدهما : إتمامها ، قاله مجاهد وقتادة والزجّاج وابن قتيبة. والثاني : أنه إقامة ركوعها وسجودها ، وما يجب فيها مما قد يترك في حالة الخوف ، هذا قول السّدّيّ.
__________________
يقضيه آخر صلاته. ويستحب أن يحمل السلاح في صلاة الخوف. ويجوز أن يصلي صلاة الخوف على كل صفة صلاها رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قال أحمد : كل حديث يروى في أبواب صلاة الخوف فالعمل به جائز. وقال : ستة أوجه أو سبعة يروى فيها ، كلها جائز. وقال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : تقول بالأحاديث كلها كل حديث في موضعه ، أو تختار واحدا منها ، قال : أنا أقول من ذهب إليها كلها فحسن ، وأما حديث سهل فأنا أختاره.
والحديث الذي اختاره الإمام أحمد رواه. ولفظه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم صلى بأصحابه في الخوف ، فصفهم خلفه صفين ، فصلى بالذين يلونه ركعة ثم قام فلم يزل قائما حتى صلى الذين خلفهم ركعة ، ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم ركعة ، ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة ، ثم سلم. ومتى صلى بهم صلاة الخوف من غير خوف ، فصلاته وصلاتهم فاسدة. وإذا كان الخوف شديدا وهم في حال المسايفة ، صلوا رجالا وركبانا ، إلى القبلة وإلى غيرها ، يومئون إيماء ، يبتدئون تكبيرة الإحرام إلى القبلة إن قدروا ، أو إلى غيرها. إن لم يمكنهم ، يومئون بالركوع والسجود على قدر الطاقة ، ويجعلون السجود أخفض من الركوع ، ولا يؤخرون الصلاة عن وقتها. وهذا قول أكثر أهل العلم. وقال أبو حنيفة : لا يصلي مع المسايفة ، ولا مع المشي ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يصلّ يوم الخندق ـ قد ورد الرد على هذا القول قبل قليل : انظر التعليق السابق ـ وأخّر صلاته. وقال الشافعي : يصلي ، ولكن إن تابع الطعن ، أو الضرب ، أو فعل ما يطول ، بطلت صلاته. ولنا قول الله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) ، ولأن النبي صلىاللهعليهوسلم صلى بأصحابه من غير شدة خوف ، فأمرهم بالمشي إلى وجاه العدو ، ثم يعودون لقضاء ما بقي من صلاتهم ، فمع الخوف الشديد أولى. والله أعلم.