إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

زاد المسير في علم التفسير [ ج ١ ]

زاد المسير في علم التفسير [ ج ١ ]

462/606
*

قوله تعالى : (فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) أي : ابتدأتها ، (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) أي : لتقف ، ومثله (وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) (١). (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) فيهم قولان : أحدهما : أنهم الباقون ، قاله ابن عباس. والثاني : أنهم المصلّون معه ، ذكره ابن جرير ، قال : وهذا السّلاح كالسّيف ، يتقلّده الإنسان ، والخنجر يشدّه إلى ذراعه.

قوله تعالى : (فَإِذا سَجَدُوا) يعني المصلّين معه (فَلْيَكُونُوا) في المشار إليهم قولان :

أحدهما : أنهم الطّائفة التي لم تصلّ ، أمرت أن تحرس الطائفة المصلّية ، وهذا معنى قول ابن عباس. والثاني : أنهم المصلّون معه ، أمروا إذا سجدوا أن ينصرفوا إلى الحرس.

واختلف العلماء كيف ينصرفون بعد السّجود ، فقال قوم : إذا أتمّوا مع الإمام ركعة أتمّوا لأنفسهم ركعة ، ثم سلّموا وانصرفوا ، وقد تمّت صلاتهم ، وقال آخرون : ينصرفون عن ركعة ، واختلف هؤلاء ، فقال بعضهم : إذا صلّوا مع الإمام ركعة وسلّموا ، فهي تجزئهم. وقال آخرون منهم أبو حنيفة : بل ينصرفون عن تلك الرّكعة إلى الحرس وهم على صلاتهم ، فيكونوا في وجه العدو مكان الطّائفة التي لم تصلّ ، وتأتي تلك الطّائفة. واختلفوا في الطّائفة الأخرى ، فقال قوم : إذا صلّى بهم الإمام أطال التشهد حتى يقضوا الركعة الفائتة ، ثم يسلّم بهم ، وقال آخرون : بل يسلّم هو عند فراغه من الصّلاة بهم ، فإذا سلّم قضوا ما فاتهم. وقال آخرون : بلى يصلّي بالطّائفة الثانية ركعة ويسلّم هو ، ولا تسلّم هي ، بل ترجع إلى وجه العدو ، ثم تجيء الأولى ، فتقضي ما بقي من صلاتها وتسلّم ، وتمضي وتجيء الأخرى ، فتتمّ صلاتها ، وهذا مذهب أبي حنيفة (٢).

__________________

يكن فعله حجة لغيره لم يكن معارضا لقوله على مانعي الزكاة قولهم : إن الله تعالى خصّ نبيه بأخذ الزكاة ، بقوله (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) فإن قيل : فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخّر الصلاة يوم الخندق ، ولم يصل. قلنا : هذا ك. وأيضا فإن الصحابة أجمعوا على صلاة الخوف. فأما تخصيص النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالخطاب ، فلا يوجب تخصيصه بالحكم ، لما ذكرناه. ولأن الصحابة ، رضي الله عنهم ، أنكروا ان قبل نزول صلاة الخوف ، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويكون ناسخا لما قبله ، ثم إن هذا الاعتراض باطل في نفسه ، إذ لا خلاف في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان له أن يصلي صلاة الخوف ، وقد أمره الله تعالى بذلك في كتابه. ويحتمل أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخّر الصلاة نسيانا وروي أن عمر قال ما صليت العصر. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «والله ما صليتها» ولم يكن ثمّ قتال يمنعه من الصلاة.

(١) البقرة : ٢٠.

(٢) قال الإمام الموفق رحمه‌الله في «المغني» ٣ / ٢٩٨ ـ ٣١٣ : وصلاة الخوف إذا كان بإزاء العدو وهو في سفر ، صلى بطائفة ركعة ، وأتمت لأنفسها أخرى بالحمد لله وسورة ، ثم ذهبت تحرس ، وجاءت الطائفة الأخرى التي بإزاء العدو ، فصلت معه ركعة وأتمت لأنفسها أخرى بالحمد لله وسورة ، ويطيل التشهد حتى يتموا التشهد ، ويسلم بهم. وجملة ذلك أن الخوف لا يؤثر في عدد الركعات في حق الإمام والمأموم جميعا ، فإذا كان سفر يبيح القصر ، صلى بهم ركعتين ، بكل طائفة ركعة وتتم لأنفسها أخرى على الصفة المذكورة. وإن صلى بهم كمذهب أبي حنيفة جاز ، نصّ عليه أحمد. ولكن يكون تاركا للأولى والأحسن. ولا تجب التسوية بين الطائفتين ، لأنه لم يرد بذلك نص ولا قياس. ويجب أن تكون الطائفة التي بإزاء العدو ممن تحصل الثقة بكفايتها وحراستها ، ومتى خشي اختلال حالهم واحتيج إلى معونتهم بالطائفة الأخرى. فللإمام أن ينهد إليهم بمن معه ، ويبنوا على ما مضى من صلاتهم. وإن خاف وهو مقيم ، صلى بكل طائفة ركعتين وأتمت الطائفة الأولى بالحمد لله في كل ركعة ، والطائفة الأخرى تتم بالحمد لله وسورة. واختلفت الرواية فيما يقضيه المسبوق ، فروي أنه أول صلاته ، وما يدركه مع الإمام آخرها وهذا ظاهر المذهب وروي عن أحمد أن ما