يقال : الإسلام درجة ، والهجرة في الإسلام درجة ، والجهاد في الهجرة درجة ، والقتل في الجهاد درجة. وقال ابن زيد : الدّرجات : هي السّبع التي ذكرها الله تعالى في براءة حين قال : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ ...) إلى قوله : (وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ ...) (١). فإن قيل : ما الحكمة في أنّ الله تعالى ذكر في أول الكلام درجة ، وفي آخره درجات؟ فعنه جوابان : أحدهما : أن الدّرجة الأولى تفضيل المجاهدين على القاعدين من أولي الضّرر منزلة ، والدّرجات : تفضيل المجاهدين على القاعدين من غير أولي الضّرر منازل كثيرة ، وهذا معنى قول ابن عباس. والثاني : أن الدّرجة الأولى درجة المدح والتّعظيم ، والدّرجات : منازل الجنة ، ذكره القاضي أبو يعلى.
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (٩٧))
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) في سبب نزولها ثلاثة أقوال :
(٣٤١) أحدها : أن أناسا كانوا بمكّة قد أقرّوا بالإسلام ، فلمّا خرج النبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى بدر لم تدع قريش أحدا إلا أخرجوه معهم ، فقتل أولئك الذين أقرّوا بالإسلام ، فنزلت فيهم هذه الآية ، رواه عكرمة عن ابن عباس.
(٣٤٢) وقال قتادة : نزلت في أناس تكلّموا بالإسلام ، فخرجوا مع أبي جهل ، فقتلوا يوم بدر ، واعتذروا بغير عذر ، فأبى الله أن يقبل منهم.
(٣٤٣) والثاني : أن قوما نافقوا يوم بدر ، وارتابوا ، وقالوا : غرّ هؤلاء دينهم وأقاموا مع المشركين حتى قتلوا ، فنزلت فيهم هذه الآية. رواه أبو صالح عن ابن عباس.
(٣٤٤) والثالث : أنها نزلت في قوم تخلّفوا عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ولم يخرجوا معه ، فمن مات منهم قبل أن يلحق بالنبيّ ، ضربت الملائكة وجهه ودبره ، رواه العوفيّ عن ابن عباس.
وفي «التّوفّي» قولان : أحدهما : أنه قبض الأرواح بالموت ، قاله ابن عباس ، ومقاتل. والثاني : الحشر إلى النار ، قاله الحسن. قال مقاتل : والمراد بالملائكة ملك الموت وحده. وقال في موضع
____________________________________
(٣٤١) صحيح. أخرجه الطبري ١٠٢٦٥ من طريق عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس بأتم منه. وورد من وجه آخر عن أبي الأسود عن عكرمة عن ابن عباس أن ناسا من المسلمين كانوا يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلىاللهعليهوسلم يأتي السهم فيرمى به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل فأنزل الله (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) الآية. لفظ البخاري. أخرجه البخاري ٤٥٩٦ والنسائي في «الكبرى» ١١١٩ والطبري ١٠٢٦٦ و ١٠٢٦٧ والواحدي ٣٥٦ وانظر تفسير القرطبي بتخريجنا.
(٣٤٢) مرسل. أخرجه الطبري ١٠٢٧٢ عن قتادة مرسلا ، وهو شاهد لما قبله.
(٣٤٣) عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس ، وأبو صالح غير ثقة في روايته عن ابن عباس.
(٣٤٤) ضعيف. أخرجه الطبري ١٠٢٦٨ برواية العوفي عن ابن عباس ، والعوفي وهو محمد بن سعد واه ، والصواب ما تقدم عن ابن عباس برواية البخاري.
__________________
(١) سورة التوبة : ١٢٠ ـ ١٢١.