آخر : ملك الموت وأعوانه ، وهم ستة ، ثلاثة يلون أرواح المؤمنين ، وثلاثة يلون أرواح الكفّار. قال الزجّاج : «ظالمي أنفسهم» نصب على الحال ، والمعنى : تتوفّاهم في حال ظلمهم أنفسهم ، والأصل. ظالمين ، لأن النون حذفت استخفافا. فأمّا ظلمهم لأنفسهم ، فيحتمل على ما ذكر في قصتهم أربعة أقوال : أحدها : أنه ترك الهجرة. والثاني : رجوعهم إلى الكفر. والثالث : الشّكّ بعد اليقين. والرابع : إعانة المشركين.
قوله تعالى : (فِيمَ كُنْتُمْ) قال الزجّاج : هو سؤال توبيخ ، والمعنى : كنتم في المشركين أو في المسلمين. قوله تعالى : (قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) قال مقاتل : كنا مقهورين في أرض مكّة ، لا نستطيع أن نذكر الإيمان ، قالت الملائكة : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً) يعني المدينة (فَتُهاجِرُوا فِيها) يعني : إليها. وقول الملائكة لهم يدلّ على أنهم كانوا يستطيعون الهجرة.
(إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً (٩٩))
قوله تعالى : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ).
(٣٤٥) سبب نزولها : أنّ المسلمين قالوا في حقّ المستضعفين من المسلمين بمكّة : هؤلاء بمنزلة الذين قتلوا ببدر ، فنزلت هذه الآية. قاله مجاهد.
قال الزجّاج : «المستضعفين» نصب على الاستثناء من قوله تعالى : (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ). قال أبو سليمان : «المستضعفون» : ذوو الأسنان ، والنّساء ، والصّبيان.
قوله تعالى : (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) أي : لا يقدرون على حيلة في الخروج من مكّة ، ولا على نفقة ، ولا قوّة. وفي قوله تعالى : (وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) قولان : أحدهما : أنهم لا يعرفون الطريق إلى المدينة ، قاله ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد. والثاني : أنهم لا يعرفون طريقا يتوجّهون إليه ، فإن خرجوا هلكوا ، قاله ابن زيد. وفي (عَسَى) قولان : أحدهما : أنها بمعنى الإيجاب ، قاله الحسن. والثاني : أنها بمعنى التّرجّي ، فالمعنى : أنهم يرجون العفو ، قاله الزجّاج.
(وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٠))
قوله تعالى : (يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً) قال سعيد بن جبير ، ومجاهد : متزحزحا عمّا يكره. وقال ابن قتيبة : المراغم والمهاجر : واحد ، يقال : راغمت وهاجرت ، وأصله : أن الرجل كان إذا أسلم ، خرج عن قومه ، مراغما ، أي : مغاضبا لهم ، ومهاجرا ، أي : مقاطعا من الهجران ، فقيل للمذهب : مراغم ، وللمصير إلى النبيّ عليهالسلام هجرة ، لأنها كانت بهجرة الرجل قومه.
وفي السّعة قولان : أحدهما : أنها السّعة في الرّزق ، قاله ابن عباس ، والجمهور. والثاني : التّمكّن
____________________________________
(٣٤٥) مرسل ، أخرجه الطبري ١٠٢٨١ عن مجاهد مرسلا ، وهو يتأيد بما تقدم عن ابن عباس.