فينقل الحديث بين النبيّ عليهالسلام وبينهم ، ثم أسلم نعيم ، هذا قول السّدّيّ.
ومعنى الآية : ستجدون قوما يظهرون الموافقة لكم ولقومهم ، ليأمنوا الفريقين ، كلما دعوا إلى الشّرك ، عادوا فيه ، فإن لم يعتزلوكم في القتال ، ويلقوا إليكم الصّلح ، ويكفوا أيديهم عن قتالكم ، فخذوهم ، أي : ائسروهم ، واقتلوهم حيث أدركتموهم ، وأولائكم جعلنا لكم عليهم حجّة بيّنة في قتلهم.
فصل : قال أهل التفسير : والكفّ عن هؤلاء المذكورين في هذه الآية منسوخ بآية السّيف.
(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٩٢))
قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) في سبب نزولها قولان :
(٣٣٣) أحدهما : أنّ عيّاش بن أبي ربيعة أسلم بمكّة قبل هجرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثمّ خاف أن يظهر إسلامه لقومه ، فخرج إلى المدينة فقالت أمّه لابنيها أبي جهل ، والحارث ابني هشام ، وهما أخواه لأمّه : والله لا يظلّني سقف ، ولا أذوق طعاما ولا شرابا حتى تأتياني به. فخرجا في طلبه ، ومعهما الحارث بن زيد ، حتى أتوا عيّاشا وهو متحصّن في أطم (١) ، فقالوا له : انزل فإنّ أمّك لم يؤوها سقف ، ولم تذق طعاما ، ولا شرابا ، ولك علينا أن لا نحول بينك وبين دينك ، فنزل ، فأوثقوه ، وجلده كلّ واحد منهم مائة جلدة ، فقدموا به على أمّه ، فقالت : والله لا أحلّك من وثاقك حتى تكفر ، فطرح موثقا في الشمس حتى أعطاهم ما أرادوا ، فقال له الحارث بن زيد : يا عيّاش لئن كان ما كنت عليه هدى لقد تركته ، وإن كان ضلالا لقد ركبته فغضب ، وقال : والله لا ألقاك خاليا إلا قتلتك ، ثم أفلت عيّاش بعد ذلك ؛ وهاجر إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمدينة ، ثم أسلم الحارث بعده وهاجر ، ولم يعلم عيّاش ، فلقيه يوما فقتله ، فقيل له : إنه قد أسلم ، فجاء إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فأخبره بما كان ، وقال : لم أشعر بإسلامه ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس. وهو قول سعيد بن جبير ، والسّدّيّ ، والجمهور.
(٣٣٤) والثاني : أنّ أبا الدّرداء قتل رجلا قال لا إله إلا الله في بعض السّرايا ، ثم أتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ،
____________________________________
(٣٣٣) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» بإثر ٣٤٣ عن الكلبي بدون إسناد ، وقد روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس تفسيرا مصنوعا ، وورد بمعناه ، أخرجه الطبري ١٠٠٩٨ عن السدي مرسلا و ١٠٠٩٧ عن عكرمة مرسلا و ١٠٠٩٥ و ١٠٠٩٦ عن مجاهد مرسلا. وورد مختصرا عند الواحدي في «أسباب النزول» ٣٤٣ والبيهقي ٨ / ٧٢ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ، وهذا مرسل ، ولعل هذه الروايات تتأيد بمجموعها ، والله أعلم.
(٣٣٤) ضعيف جدا. أخرجه الطبري ١٠٠٩٩ عن ابن زيد وهو معضل ومع ذلك عبد الرحمن بن زيد ضعيف الحديث ليس بشيء إن وصل الحديث فكيف إذا أرسله؟! وقد صح ذلك في أسامة بن زيد. انظر «تفسير ابن كثير» ١ / ٥٤٧ بتخريجنا.
__________________
(١) الأطم : الحصن ، كما في الصحاح.