فذكر له ما صنع ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول ابن زيد.
قال الزجّاج : معنى الآية : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا البتّة. والاستثناء ليس من الأوّل ، وإنما المعنى : إلا أن يخطئ المؤمن. روى أبو عبيدة ، عن يونس : أنه سأل رؤبة عن هذه الآية ، فقال : ليس له أن يقتله عمدا ولا خطأ (١) ، ولكنّه أقام «إلا» مقام «الواو» قال الشاعر :
وكلّ أخ مفارقه أخوه |
|
لعمر أبيك إلّا الفرقدان (٢) |
أراد : والفرقدان. وقال بعض أهل المعاني : تقدير الآية : لكن قد يقتله خطأ ، وليس ذلك فيما جعل الله له ، لأن الخطأ لا تصح فيه الإباحة ، ولا النّهي. وقيل : إنما وقع الاستثناء على ما تضمّنته الآية من استحقاق الإثم ، وإيجاب القتل.
قوله تعالى : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) قال سعيد بن جبير : عتق الرّقبة واجب على القاتل في ماله ، واختلفوا في عتق الغلام الذي لا يصح منه فعل الصّلاة والصّيام ، فروي عن أحمد جوازه ، وكذلك روى ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، وهذا قول عطاء ، ومجاهد. وروي عن أحمد : لا يجزئ إلا من صام وصلّى ، وهو قول ابن عباس في رواية ، والحسن ، والشّعبيّ ، وإبراهيم ، وقتادة. قوله تعالى : (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) قال القاضي أبو يعلى : ليس في هذه الآية بيان من تلزمه هذه الدّية ، واتّفق الفقهاء على أنها عاقلة القاتل ، تحملها عنه على طريق المواساة ، وتلزم العاقلة في ثلاث سنين ، كلّ سنة ثلثها ، والعاقلة : العصبات من ذوي الأنساب. ولا يلزم الجاني منها شيء. وقال أبو حنيفة : هو كواحد من العاقلة (٣). وللنّفس ستة أبدال : من الذّهب ألف دينار ، ومن الورق اثنا عشر ألف درهم ، ومن الإبل مائة ، ومن البقرة مائتا بقرة ، ومن الغنم ألفا شاة ، وفي الحلل روايتان عن أحمد. إحداهما : أنها أصل ، فتكون مائتا حلّة. فهذه دية الذّكر الحرّ المسلم ، ودية الحرّة المسلمة على النّصف من ذلك (٤). قوله
__________________
(١) قال الإمام الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ٢٠٦ : والصواب في ذلك أن يقال : إن الله عرّف عباده بهذه الآية على من قتل مؤمنا خطأ من كفارة ودية. وجائز أن تكون الآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة وقتيله ، وفي أبي الدرداء وصاحبه. وأي ذلك كان ، فالذي عنى الله تعالى بالآية : تعريف عباده ما ذكرناه ، وقد عرف من عقل عنه من عباده تنزيله ، وغير ضائرهم جهلهم بما نزلت فيه.
(٢) البيت لعمرو بن معديكرب كما في «الكامل» ٣ / ١٢٤٠ ، وفي «اللسان» الفرقدان : نجمان في السماء لا يغربان ، ولكنهما يطوفان بالجدي.
(٣) قال الإمام الموفق رحمهالله في المغني ١٢ / ٢١ : ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن دية الخطأ على العاقلة. قال ابن المنذر : أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم وقد ثبتت الأخبار عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أنه قضى بدية الخطأ على العاقلة. وفي «صحيح البخاري» عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ، قال : بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة ، فدعاهم إلى الإسلام ، فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا ، فجعلوا يقولون : صبأنا صبأنا ، فجعل خالد يقتلهم ، فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فرفع يديه وقال : «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» ، قال ابن إسحاق : وبعث عليا ، فودى قتلاهم ، وما أتلف من أموالهم حتى ميلغة الكلب. وهذا يؤخذ منه أن خطأ الإمام أو نائبه يكون في بيت المال.
(٤) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ١٢ / ٦ ـ ١٢ : أجمع أهل العلم على أن الإبل أصل في الدية ، وأن دية الحر المسلم مائة من الإبل. وهنا إحدى الروايتين عن أحمد ، رحمهالله. وقال القاضي : لا يختلف المذهب أن أصول الدية الإبل ، والذهب ، والورق ، والبقر ، والغنم ، فهذه خمسة لا يختلف المذهب فيها.