قال الزجّاج : و «الكفل» في اللغة : النّصيب ، وأخذ من قولهم : اكتفلت البعير : إذا أدرت على سنامه ، أو على موضع من ظهره كساء ، وركبت عليه. وإنما قيل له : كفل ، لأنه لم يستعمل الظّهر كلّه ، وإنما استعمل نصيبا منه.
وفي المقيت» سبعة أقوال : أحدها : أنه المقتدر ، قال أحيحة بن الجلّاح :
وذي ضغن كففت النّفس عنه |
|
وكنت على مساءته مقيتا (١) |
وإلى هذا المعنى ذهب ابن عباس ، وابن جرير ، والسّدّيّ ، وابن زيد ، والفرّاء ، وأبو عبيد ، وابن قتيبة ، والخطّابيّ. والثاني : أنه الحفيظ ، رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، والزجّاج. وقال : هو بالحفيظ أشبه ، لأنه مشتق من القوت ، يقال : قتّ الرجل أقوته قوتا : إذا حفظت عليه نفسه بما يقوته. والقوت : اسم الشيء الذي يحفظ نفسه ، ولا فضل فيه على قدر الحفظ ، فمعنى المقيت : الحافظ الذي يعطي الشيء على قدر الحاجة من الحفظ. قال الشاعر :
ألي الفضل أم عليّ إذا حو |
|
سبت إنّي على الحساب مقيت |
والثالث : أنه الشّهيد ، رواه ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، واختاره أبو سليمان الدّمشقيّ. والرابع : أنه الحسيب ، رواه خصيف عن مجاهد. والخامس : الرّقيب ، رواه أبو شيبة عن عطاء. والسادس : الدّائم ، رواه ابن جريج عن عبد الله بن كثير. والسابع : أنه معطي القوت ، قاله مقاتل بن سليمان. وقال الخطّابيّ : المقيت يكون بمعنى معطي القوت ، قال الفرّاء : يقال : قاته وأقاته.
(وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦))
قوله تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ) في التّحيّة قولان : أحدهما : أنها السّلام ، قاله ابن عباس والجمهور. والثاني : الدّعاء ، ذكره ابن جرير والماورديّ. فأما «أحسن منها» فهو الزّيادة عليها ، وردّها : قول مثلها. قال الحسن : إذا قال أخوك المسلم : السّلام عليكم ، فردّ السلام ، وزد : ورحمة الله. أو ردّ ما قال ولا تزد. وقال الضّحّاك : إذا قال : السّلام عليك ، قلت : وعليكم السلام ورحمة الله ، وإذا قال : السلام عليك ورحمة الله ، قلت : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وهذا منتهى السّلام. وقال قتادة : بأحسن منها للمسلم ، أو ردّوها على أهل الكتاب (٢).
__________________
(١) في «اللسان» الضغن : الحقد والعداوة.
(٢) قال القرطبي رحمهالله في «تفسيره» ٥ / ٢٨٣ : واختلف العلماء في معنى الآية وتأويلها ، فروى ابن وهب عن مالك أن هذه الآية بتشميت العاطس والردّ على المشمّت. وهذا ضعيف. والرد على المشمّت فمما يدخل بالقياس في معنى رد التحية وهذا هو منحى مالك إن صح ذلك عنه. وقال أصحاب أبي حنيفة : التحية هنا الهدية ، لقوله تعالى : (أَوْ رُدُّوها) والصحيح أن التحية هاهنا السلام وعلى هذا جماعة المفسرين. وأجمع العلماء على أن الابتداء بالسلام سنّة مرغب فيها ، وردّه فريضة لقوله تعالى : (فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها).
واختلفوا إذا ردّ واحد من جماعة هل يجزئ أو لا. فمذهب الشافعي ومالك إلى الإجزاء. واحتجوا بما رواه داود عن علي رضي الله عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «يجزئ من الجماعة إذا مرّوا أن يسلّم أحدهم ، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم» قال أبو عمر : حديث حسن لا معارض له. وقد ضعفه بعضهم وجعلوه حديثا منكرا.
واحتجوا أيضا بقوله عليهالسلام : «يسلّم القليل على الكثير». وروى مالك عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم