قوله تعالى : (لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً) في معنى هذا الاستثناء ثلاثة أقوال : أحدها : أنه راجع إلى الإذاعة ، فتقديره : أذاعوا به إلا قليلا. وهذا قول ابن عباس وابن زيد ، واختاره القرّاء وابن جرير. والثاني : أنه راجع إلى المستنبطين ، فتقديره : لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا ، وهذا قول الحسن وقتادة ، واختاره ابن قتيبة. فعلى هذين القولين في الآية تقديم وتأخير. والثالث : أنه راجع إلى اتّباع الشّيطان ، فتقديره : لاتّبعتم الشيطان إلا قليلا منكم ، وهذا قول الضّحّاك ، واختاره الزجّاج. وقال بعض العلماء : المعنى : لو لا فضل الله بإرسال النبيّ إليكم ، لضللتم إلا قليلا منكم كانوا يستدركون بعقولهم معرفة الله ، ويعرفون ضلال من يعبد غيره ، كقسّ بن ساعدة.
(فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً (٨٤))
قوله تعالى : (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) سبب نزولها :
(٣٢١) أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم لما ندب النّاس لموعد أبي سفيان ببدر الصّغرى بعد أحد ، كره بعضهم ذلك ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس.
وفي «فاء» (فَقاتِلْ) قولان : أحدهما : أنه جواب قوله (وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ). والثاني : أنها متّصلة بقوله (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) ذكرهما ابن السّريّ. والمراد بسبيل الله : الجهاد.
قوله تعالى : (لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) أي : إلا المجاهدة بنفسك. و «حرّض» : بمعنى حضّض. قال الزجّاج : ومعنى (عَسَى) في اللغة : معنى الطّمع والإشفاق. والإطماع من الله واجب. و «البأس» : الشّدّة. وقال ابن عباس : والله أشدّ عذابا. قال قتادة : و «التّنكيل» : العقوبة.
(مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (٨٥))
قوله تعالى : (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً) ، في المراد بالشّفاعة أربعة أقوال : أحدها : أنها شفاعة الإنسان للإنسان ، ليجتلب له نفعا ، أو يخلّصه من بلاء ، وهذا قول الحسن ومجاهد وقتادة ، وابن زيد. والثاني : أنها الإصلاح بين اثنين ، قاله ابن السّائب. والثالث : أنه الدّعاء للمؤمنين والمؤمنات ، ذكره الماورديّ. والرابع : أن المعنى : من يصر شفعا لوتر أصحابك يا محمّد ، فيشفعهم في جهاد عدوّهم وقتالهم في سبيل الله ، قاله ابن جرير وأبو سليمان الدّمشقيّ.
وفي الشّفاعة السّيئة ثلاثة أقوال : أحدها : أنها السّعي بالنّميمة ، قاله ابن السّائب ، ومقاتل. والثاني : أنها الدّعاء على المؤمنين والمؤمنات ، وكانت اليهود تفعله ، ذكره الماورديّ. والثالث : أن المعنى : من يشفع وتر أهل الكفر ، فيقاتل المؤمنين ؛ قاله ابن جرير وأبو سليمان الدمشقي.
____________________________________
(٣٢١) عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس ، وهو من رواية الكلبي ، وهو ممن يضع الحديث ، فالخبر لا شيء.