(كأن لم تكن) بالتاء ، لأن الفاعل المسند إليه مؤنّث في اللفظ ، وقرأ نافع ، وحمزة ، والكسائيّ ، وأبو بكر ، عن عاصم : يكن بالياء ، لأن التّأنيث ليس بحقيقي. قال الزجّاج : يجوز أن يكون المعنى : ليقولنّ يا ليتني كنت معهم ، كأن لم يكن بينكم وبينه مودّة ، أي : كأنّه لم يعاقدكم على أن يجاهد معكم ، ويجوز أن يكون هذا الكلام معترضا به ، فيكون المعنى : ولئن أصابكم فضل من الله ليقولنّ يا ليتني كنت معهم فإن أصابتكم مصيبة ، قال : قد أنعم الله عليّ ، كأن لم يكن بينكم وبينه مودّة. فيكون معنى «المودّة» أي : كأنّه لم يعاقدكم على الإيمان.
(فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (٧٤))
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) يشرون هاهنا : بمعنى يبتغون في قول الجماعة. وأنشدوا :
وشريت ... بردا ليتني |
|
من بعد برد كنت هامة (١) |
و «برد» غلام له باعه.
ومعنى الآية : ليكن قتال المقاتلين على وجه الإخلاص وطلب الآخرة.
قوله تعالى : (فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ) خرج مخرج الغالب ، وقد يثاب من لم يغلب ولم يقتل.
(وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥))
قوله تعالى : (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ) قال الفرّاء : تقديره : وفي المستضعفين. وكذلك روي عن ابن عباس. وقال الزجّاج : المستضعفون في موضع خفض ، والمعنى في سبيل الله ، وسبيل المستضعفين ، أي : ما لكم لا تسعون في خلاص هؤلاء؟ قال ابن عباس : وهم ناس مسلمون كانوا بمكّة لا يستطيعون أن يخرجوا. و «القرية» : مكّة في قول الجماعة. قال الفرّاء : وإنما خفض (الظَّالِمِ) لأنه نعت للأهل ، فلمّا عاد الأهل على القرية كان فعل ما أضيف إليها بمنزلة فعلها ، تقول : مررت بالرّجل الواسعة داره.
قوله تعالى : (وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) قال أبو سليمان : سألوا الله وليّا من عنده يلي إخراجهم منها ، ونصيرا يمنعهم من المشركين. قال ابن عباس :
(٣١٥) فلما فتح رسول الله مكّة ، جعل الله عزوجل النبيّ عليهالسلام وليّهم ، واستعمل عليهم
____________________________________
(٣١٥) سيأتي تخريجه إن شاء الله.
__________________
(١) البيت لابن مفرغ ، شاعر إسلامي ، وهو من حمير «الخزانة» : ٢ / ٢١٤. وفي «اللسان» : الهامة : فإن العرب كانت تقول إن عظام الموتى ، وقيل أرواحهم تصير هامة فتطير ، وقيل كانوا يسمون ذلك الطائر الذي يخرج من هامة الميت الصدى فنهاهم الإسلام عنه ، ويقال أصبح فلان هامة إذا مات.