(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (٧١))
قوله تعالى : (خُذُوا حِذْرَكُمْ) فيه قولان : أحدهما : احذروا عدوّكم. والثاني : خذوا سلاحكم. قوله تعالى : (فَانْفِرُوا ثُباتٍ) قال ابن قتيبة : أي : جماعات ، واحدتها : ثبة ، يريد جماعة بعد جماعة. وقال الزجّاج : «الثّبات» : الجماعات المتفرّقة. قال زهير :
وقد أغدوا على ثبة كرام |
|
نشاوى واجدين لما نشاء |
قال ابن عباس : فانفروا ثبات ، أي : عصبا ، سرايا متفرّقين ، أو انفروا جميعا ، يعني كلّكم.
فصل : وقد نقل عن ابن عباس أنّ هذه الآية وقوله (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) (١) وقوله تعالى : (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) (٢) منسوخات بقوله : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) (٣) قال أبو سليمان الدّمشقيّ : والأمر في ذلك بحسب ما يراه الإمام ، وليس في هذا من المنسوخ شيء.
(وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (٧٢) وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (٧٣))
قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) اختلفوا فيمن نزلت على قولين :
(٣١٤) أحدهما : أنها في المنافقين ، كعبد الله بن أبيّ ، وأصحابه كانوا يتثاقلون عن الجهاد ، فإن لقيت السّريّة نكبة ، قال من أبطأ منهم : لقد أنعم الله عليّ ، وإن لقوا غنيمة ، قال : يا ليتني كنت معهم. هذا قول ابن عباس ، وابن جريج.
والثاني : أنها نزلت في المسلمين الذين قلّت علومهم بأحكام الدّين ، فتثبّطوا لقلّة العلم ، لا لضعف الدّين ، ذكره الماورديّ وغيره. فعلى الأوّل تكون إضافتهم إلى المؤمنين بقوله «منكم» لموضع نطقهم بالإسلام ، وجريان أحكامه عليهم ، وعلى الثاني تكون الإضافة حقيقة.
قال ابن جرير : اللام في (لَمَنْ) لام تأكيد. قال الزجّاج : واللام في (لَيُبَطِّئَنَ) لام القسم ، كقولك : إنّ منكم لمن أحلف بالله ليبطّئنّ ، يقال : «أبطأ الرّجل» و «بطؤ» فمعنى «أبطأ» : تأخّر ، ومعنى «بطؤ» : ثقل. وقرأ أبو جعفر : «ليبطّئن» بتخفيف الهمزة. وفي معنى «ليبطّئنّ» قولان : أحدهما : ليبطّئنّ هو نفسه ، وهو قول ابن عباس. والثاني : ليبطّئنّ غيره ، قاله ابن جريج. قال ابن عباس : و «المصيبة» : النّكبة. و «الفضل من الله» : الفتح والغنيمة.
قوله تعالى : (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) قرأ ابن كثير ، وحفص ، والمفضّل ، عن عاصم :
____________________________________
(٣١٤) ضعيف. أخرجه الطبري ٩٩٤٣ عن ابن جريج ، وهذا معضل.
ـ وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم كما في «الدر» ٢ / ١٨٣ عن مقاتل بن حيان ، وهذا معضل أيضا.
ـ وعزاه المصنف لابن عباس ، والظاهر أنه من رواية الكلبي ، وهو متروك عن أبي صالح عن ابن عباس.
__________________
(١) سورة التوبة : ٤١.
(٢) سورة التوبة : ٣٩.
(٣) سورة التوبة : ١٢٢.