فعرف الحزن في وجهه ، فقال : يا ثوبان ما غيّر وجهك؟ قال : ما بي من وجع غير أنّي إذا لم أرك اشتقت إليك ، فأذكر الآخرة ، فأخاف أن لا أراك هناك ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
(٣١٢) والثاني : أنّ أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قالوا له : ما ينبغي أن نفارقك في الدّنيا ، فإنّك إذا فارقتنا رفعت فوقنا ، فنزلت هذه الآية. هذا قول مسروق.
(٣١٣) والثالث : أنّ رجلا من الأنصار جاء إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم وهو محزون ، فقال : ما لي أراك محزونا؟ فقال : يا رسول الله غدا ترفع مع الأنبياء ، فلا نصل إليك. فنزلت هذه الآية. هذا قول سعيد بن جبير.
قال ابن عباس : ومن يطع الله في الفرائض ، والرّسول في السّنن. قال ابن قتيبة : والصّدّيق : الكثير الصّدق ، كما يقال : فسّيق ، وسكّير ، وشرّيب ، وخمّير ، وسكّيت ، وفجّير ، وعشّيق ، وضلّيل ، وظلّيم : إذا كثر منه ذلك. ولا يقال ذلك لمن فعل الشيء مرّة ، أو مرتين حتى يكثر منه ذلك ، أو يكون عادة. فأما الشهداء ، فجمع شهيد وهو القتيل في سبيل الله. وفي تسميته بالشّهيد خمسة أقوال : أحدها : لأنّ الله تعالى وملائكته شهدوا له بالجنّة ، قاله ثعلب. والثاني : لأنّ ملائكة الرّحمة تشهده. والثالث : لسقوطه بالأرض ، والأرض : هي الشّاهدة ، ذكر القولين ابن فارس اللغويّ. والرابع : لقيامه بشهادة الحق في أمر الله حتى قتل ، قاله أبو سليمان الدمشقي. والخامس : لأنه يشهد ما أعدّ الله له من الكرامة بالقتل ، قاله شيخنا عليّ بن عبيد الله.
فأما الصّالحون ، فهو اسم لكل من صلحت سريرته وعلانيته. والجمهور على أن النّبيين ، والصّدّيقين ، والشّهداء ، والصّالحين عامّ في جميع من هذه صفته. وقال عكرمة : المراد بالنّبيين هاهنا محمّد ، والصّديقين أبو بكر ، وبالشّهداء عمر وعثمان وعليّ ، وبالصّالحين سائر الصّحابة.
قوله تعالى : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) قال الزجّاج : «رفيقا» منصوب على التّمييز ، وهو ينوب عن رفقاء ، قال الشاعر :
بها جيف الحسرى فأمّا عظامها |
|
فبيض وأمّا جلدها فصليب (١) |
وقال آخر :
في حلقكم عظم وقد شجينا (٢) يريد : في حلوقكم عظام. (ذلِكَ الْفَضْلُ) الذي أعطي المذكورين (مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) بالمقاصد والنّيات.
____________________________________
(٣١٢) مرسل. أخرجه الطبري ٩٩٣٠ والواحدي ٣٣٥ عن مسروق مرسلا ، وكرره ٩٩٣١ من مرسل قتادة و ٩٩٣٢ من مرسل السدي ، فهذه المراسيل تتقوى بمجموعها ، وانظر ما قبله. و «تفسير القرطبي» ٢٣١٠.
(٣١٣) مرسل. أخرجه الطبري ٩٩٢٩ عن سعيد بن جبير مرسلا ، وهو شاهد قوي لما تقدم.
__________________
(١) البيت لعلقمة بن عبدة «الكتاب» ١ / ١٠٧ وقد تقدم.
(٢) هو عجز بيت للمسيب بن زيد مناة الغنوي وصدره : لا تنكر القتل وقد سبينا.