(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (٦٦) وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (٦٧) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٦٨))
قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) (٣١٠) سبب نزولها : أنّ رجلا من اليهود قال : والله لقد كتب الله علينا أن اقتلوا أنفسكم ، فقتلناها. فقال ثابت بن قيس بن الشّمّاس : والله لو كتب الله علينا ذلك لفعلنا ، فنزلت هذه الآية. هذا قول السّدّيّ.
قال الزجّاج : «لو» يمتنع به الشّيء لامتناع غيره ، تقول : لو جاءني زيد لجئته. والمعنى : أنّ مجيئك امتنع لامتناع مجيئه ، و (كَتَبْنا) بمعنى : فرضنا. والمعنى : لو أنّا فرضنا على المؤمنين بك أن اقتلوا أنفسكم. قرأ أبو عمرو : (أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) ، بكسر النون ، «أو اخرجوا» بضمّ الواو. وقرأ ابن عامر ، وابن كثير ، ونافع ، والكسائيّ : «أن اقتلوا» «أو اخرجوا» بضم النون والواو. وقرأ عاصم ، وحمزة بكسرهما. والمعنى : لو فرضنا عليهم كما فرضنا على قوم موسى ، لم يفعله (إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) هذه قراءة الجمهور. وقرأ ابن عامر : «إلا قليلا» بالنّصب. (وَلَوْ أَنَّهُمْ) يعني : المنافقين الذين يزعمون أنهم آمنوا ، وهم يتحاكمون إلى الطّاغوت ، ويصدّون عنك (فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ) أي : ما يذكّرون به من طاعة الله ، والوقوف مع أمره ، (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) وأثبت لأمورهم. وقال السّدّيّ : (وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) أي : تصديقا.
(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (٦٩) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً (٧٠))
قوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ) في سبب نزولها ثلاثة أقوال :
(٣١١) أحدها : أن ثوبان مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان شديد المحبّة للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فرآه رسول الله يوما
____________________________________
(٣١٠) أخرجه الطبري ٩٩٢٥ وابن أبي حاتم كما في ابن كثير ١ / ٥٣٤ عن السدي مرسلا ، فهو ضعيف.
(٣١١) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٣٣٤ م عن الكلبي بدون إسناد ، والكلبي متروك متهم ، لكن ورد بنحو هذا السياق من حديث عائشة قالت : جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله إنك لأحب إليّ من نفسي ، وإنك لأحب إليّ من ولدي ، وإني لأكون في البيت ، فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك ، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين ، وأني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك ، فلم يرد عليه النبي صلىاللهعليهوسلم شيئا حتى نزل جبريل بهذه الآية (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ ...) الآية. أخرجه الطبراني في «الأوسط» ٤٨٠ و «الصغير» ٥٢ والضياء المقدسي في «صفة الجنة» كما في «تفسير ابن كثير» ١ / ٥٣٥. وقال ابن كثير : قال الحافظ الضياء المقدسي : لا أرى بإسناده بأسا ووافقه ابن كثير.
ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ٧ / ٧ : رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن عمران العابدي وهو ثقة اه.
ـ وفي الباب أيضا من حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في «الكبير» ١٢٥٥٩ وفي إسناده عطاء بن السائب ، وقد اختلط كذا قال الهيثمي. لكن يصلح شاهدا لما قبله. وفي الباب أحاديث أخرى ، انظر «الدر المنثور» ٢ / ٣٢٤ فهذه الروايات تتأيد بمجموعها ، والله أعلم ، راجع «أحكام القرآن» ٥١٨ بتخريجنا.