لغيب أزواجهنّ. وقال عطاء ، وقتادة : يحفظن ما غاب عنه الأزواج من الأموال ، وما يجب عليهنّ من صيانة أنفسهنّ لهم.
قوله تعالى : (بِما حَفِظَ اللهُ) قرأ الجمهور برفع اسم «الله». وفي معنى الكلام على قراءتهم ثلاثة أقوال : أحدها : بحفظ الله إياهنّ ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، ومقاتل ، وروى ابن المبارك ، عن سفيان ، قال : بحفظ الله إيّاها أن جعلها كذلك. والثاني : بما حفظ الله لهنّ مهورهنّ ، وإيجاب نفقتهنّ ، قاله الزجّاج. والثالث : أن معناه : حافظات للغيب بالشيء الذي يحفظ به أمر الله ، حكاه الزجّاج. وقرأ أبو جعفر بنصب اسم الله. والمعنى : بحفظهنّ الله في طاعته.
قوله تعالى : (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ) في الخوف قولان : أحدهما : أنه بمعنى العلم ، قاله ابن عباس. والثاني : بمعنى الظّنّ لما يبدو من دلائل النّشوز ، قاله الفرّاء ، وأنشد :
وما خفت يا سلّام أنّك عائبي (١)
قال ابن قتيبة : والنّشوز : بغض المرأة للزّوج ، يقال : نشزت المرأة على زوجها ، ونشصت : إذا فركته (٢) ، ولم تطمئنّ عنده ، وأصل النّشوز : الانزعاج. وقال الزجّاج : أصله من النّشز ، وهو المكان المرتفع من الأرض.
قوله تعالى : (فَعِظُوهُنَ) قال الخليل : الوعظ : التّذكير بالخير فيما يرقّ له القلب. قال الحسن : يعظها بلسانه ، فإن أبت ، وإلّا هجرها. واختلفوا في المراد بالهجر في المضجع على أربعة أقوال : أحدها : أنه ترك الجماع ، رواه سعيد بن جبير ، وابن أبي طلحة ، والعوفيّ ، عن ابن عباس ، وبه قال ابن جبير ، ومقاتل. والثاني : أنه ترك الكلام ، لا ترك الجماع ، رواه أبو الضّحى ، عن ابن عباس ، وخصيف ، عن عكرمة ، وبه قال السّدّيّ ، والثّوريّ. والثالث : أنه قول الهجر من الكلام في المضاجع ، روي عن ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة. فيكون المعنى : قولوا لهنّ في المضاجع هجرا من القول. والرابع : أنه هجر فراشها ، ومضاجعتها. روي عن الحسن ، والشّعبيّ ، ومجاهد ، والنّخعي ، ومقسم ، وقتادة. قال ابن عباس : أهجرها في المضجع ، فإن أقبلت وإلّا فقد أذن الله لك أن تضربها ضربا غير مبرّح. وقال جماعة من أهل العلم : الآية على التّرتيب ، فالوعظ عند خوف النّشوز ، والهجر عند ظهور النّشوز ، والضّرب عند تكرّره ، واللجاج فيه. ولا يجوز الضّرب عند ابتداء النّشوز. قال القاضي أبو يعلى : وعلى هذا مذهب أحمد. وقال الشّافعيّ : يجوز ضربها في ابتداء النّشوز.
قوله تعالى : (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ) قال ابن عباس : يعني في المضجع (فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) أي : فلا تتجنّ عليها العلل. وقال سفيان بن عيينة : لا تكلّفها الحبّ ، لأنّ قلبها ليس في يدها. وقال ابن جرير : المعنى : فلا تلتمسوا سبيلا إلى ما لا يحلّ لكم من أبدانهنّ وأموالهنّ بالعلل ، وذلك أن تقول لها وهي مطيعة لك : لست لي محبّة ، فتضربها ، أو تؤذيها.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) قال أبو سليمان الدّمشقيّ : لا تبغوا على أزواجكم ،
__________________
(١) هو عجز بيت لأبي الغول الطهوي كما في «الخزانة» ٣ / ١٠٩. وصدره : أتاني زمان عن نصيب بقوله
(٢) في «اللسان» فركته : أبغضته.