فهو ينتصر لهنّ منكم. وقال الخطّابيّ : الكبير : الموصوف بالجلال ، وكبر الشّأن ، يصغر دون جلاله كلّ كبير. ويقال : هو الذي كبر عن شبه المخلوقين.
(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥))
قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما) ، في الخوف قولان : أحدهما : أنه الحذر من وجود ما لا يتيقّن وجوده ، قاله الزجّاج. والثاني : أنه العلم ، قاله أبو سليمان الدّمشقيّ. قال الزجّاج : والشّقاق : العداوة ، واشتقاقه من المتشاقّين ، كل صنف منهم في شقّ. و «الحكم» : هو القيم بما يسند إليه. وفي المأمور بإنفاذ الحكمين قولان : أحدهما : أنه السّلطان إذا ترافعا إليه ، قاله سعيد بن جبير ، والضّحّاك. والثاني : الزّوجان ، قاله السّدّيّ.
قوله تعالى : (إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً) قال ابن عباس : يعني الحكمين. وفي قوله تعالى : (يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) قولان : أحدهما : أنه راجع إلى الحكمين ، قاله ابن عباس ، وابن جبير ، ومجاهد ، وعطاء ، والسّدّيّ ، والجمهور. والثاني : أنه راجع إلى الزّوجين ، ذكره بعض المفسّرين.
فصل : والحكمان وكيلان للزوجين ، ويعتبر رضى الزوجين فيما يحكمان به ، هذا قول أحمد وأبي حنيفة وأصحابه. وقال مالك والشّافعيّ : لا يفتقر حكم الحكمين إلى رضى الزّوجين (١).
__________________
(١) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ١٠ / ٢٦٣ : والزوجان إذا وقعت بينهما العداوة وخشي عليهما أن يخرجهما ذلك إلى العصيان ، بعث الحاكم حكما من أهله وحكما من أهلها ، مأمونين ، برضى الزوجين ، وتوكيليهما ، بأن يجمعا إذا رأيا أو يفرّقا ، فما فعلا من ذلك لزمهما ، وجملة ذلك أن الزوجين إذا وقع بينهما شقاق ، نظر الحاكم ، فإن بان له أنه من المرأة ، فهو نشوز ـ وسيأتي عند الآية ١٢٨ ـ وإن بان أنه من الرجل أسكنهما إلى جانب ثقة ، يمنعه من الإضرار بها ، والتعدي عليها. وكذلك إن بان من كل واحد منهما تعدّ أو ادّعى كلّ واحد منهما أن الآخر ظلمه ، أسكنهما إلى جانب من يشرف عليهما ويلزمهما الإنصاف ، فإن لم يتهيأ ذلك ، وتمادى الشرّ بينهما ، وخيف الشقاق عليهما والعصيان ، بعث الحاكم حكما من أهله وحكما من أهلها ، فنظرا بينهما ، وفعلا ما يريان المصلحة فيه ، من جمع أو تفريق ، لقوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما).
واختلفت الرواية عن أحمد ، رحمهالله ، في الحكمين ، ففي إحدى الروايتين عنه ، أنهما وكيلان لهما ، لا يملكان التفريق إلا بإذنهما. وهذا مذهب عطاء وأحد قولي الشافعي. وحكي ذلك عن الحسن ، وأبي حنيفة ، لأنّ البضع حقه ، والمال حقّها وهما رشيدان ، فلا يجوز لغيرهما التصرف فيه إلا بوكالة منهما ، أو ولاية عليهما. والثانية أنهما حاكمان ، ولهما أن يفعلا ما يريان من جمع وتفريق ، بعوض وغير عوض ، ولا يحتاجان إلى توكيل الزوجين ولا رضاهما. وروي ذلك عن علي ، وابن عباس ، والشعبي والنخعي وسعيد بن جبير ومالك والأوزاعي ، وابن المنذر ، لقول الله تعالى ، فسمّاهما حكمين ولم يعتبر رضى الزوجين ثم قال تعالى : (إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً). فخاطب الحكمين بذلك. وروي أبو بكر ، بإسناده عن عبيدة السلماني ، أن رجلا وامرأة أتيا عليا ، مع كل واحد منهما فئام من الناس ، فقال علي رضي الله عنه : ابعثوا حكما من أهله ، وحكما من أهلها ، فبعثوا حكمين ، ثم قال عليّ للحكمين : هل تدريان ما عليكما من الحقّ ؛ إن رأيتما أن تجمعا جمعتما ، وإن رأيتما أن تفرّقا فرّقتما. فقالت المرأة : رضيت بكتاب الله عليّ ولي ، فقال الرجل : أما الفرقة فلا. فقال عليّ : كذبت حتى ترضى بما رضيت به. وهذا يدل على أنه أجبره على ذلك. ولا يمتنع أن تثبت الولاية على