قوله تعالى : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) أمّهات النّساء : يحرّمن بنفس العقد على البنت ، سواء دخل بالبنت ، أو لم يدخل ، وهذا قول عمر ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وعمران بن حصين ومسروق ، وعطاء ، وطاوس ، والحسن ، والجمهور. وقال عليّ رضي الله عنه في رجل طلّق امرأته قبل الدّخول : له أن يتزوّج أمّها ، وهذا قول مجاهد ، وعكرمة (١).
قوله تعالى : (وَرَبائِبُكُمُ) الرّبيبة : بنت امرأة الرّجل من غيره. ومعنى الرّبيبة : مربوبة ، لأنّ الرجل يربّيها ، وخرج الكلام على الأعمّ من كون التّربية في حجر الرّجل ، لا على الشّرط (٢).
قوله تعالى : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ) قال الزجّاج : الحلائل : الأزواج. وحليلة بمعنى محلّة ، وهي
__________________
روت عائشة رضي الله عنها ، أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الرضاعة تحرّم ما تحرّم الولادة». وفي لفظ «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب». والرضاع الذي لا يشك في تحريمه ، أن يكون خمس رضعات فصاعدا. هذا الصحيح في المذهب وروي عن عائشة ، وابن مسعود ، وابن الزبير ، وعطاء ، وطاوس. وهو قول الشافعي.
وعن أحمد رواية ثانية ، أن قليل الرضاع وكثيره يحرّم وروي ذلك عن علي وابن عباس وسعيد بن المسيب ، والحسن ومكحول والزهري وأصحاب الرأي ، وزعم الليث أن المسلمين أجمعوا على أن قليل الرضاع وكثيرة يحرّم في المهد ما يفطر به الصائم واحتجوا بالكتاب والسنة. وعن عقبة بن الحارث ، أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب ، فجاءت امرأة سوداء ، فقالت : قد أرضعتكما. فذكرت ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : «كيف ، وقد زعمت أن قد أرضعتكما». ولأن ذلك فعل يتعلق به تحريم مؤبد. فلم يعتبر فيه العدد. والرواية الثالثة ، لا يثبت التحريم إلا بثلاث رضعات ، وبه قال أبو ثور وداود وابن المنذر. لقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا تحرّم المصّة ولا المصتان» لأن ما يعتبر فيه العدد والتكرار ، يعتبر فيه الثلاث. وإذا وقع الشك في وجود الرضاع ، أو في عدد الرضاع المحرّم هل كملا أو لا؟ لم يثبت التحريم لأن الأصل عدمه ، فلا تزول عن اليقين بالشك. والسّعوط : بأن يصب اللبن في أنفه من إناء ، والوجور : أن يصبّ في حلقه صبا من غير الثدي. فأصح الروايتين أن التحريم يثبت بذلك كما يثبت بالرضاع. وإن عمل اللبن جبنا ثم أطعمه الصبي ، ثبت به التحريم ، بهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة : لا يحرّم به ، لزوال الاسم.
(١) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ٩ / ٥١٥ ـ ٥١٦ : من تزوج امرأة حرّم عليه كل أمّ لها ، من نسب أو رضاع ، قريبة أو بعيدة بمجرد العقد. نص عليه أحمد. وهو قول أكثر أهل العلم ، منهم ، ابن مسعود ، وابن عمر ، وجابر ، وعمران بن حصين وكثير من التابعين. وبه يقول مالك والشافعي ، وأصحاب الرأي ، وحكي عن علي رضي الله عنه أنها لا تحرم إلا بالدخول بابنتها ، كما لا تحرم ابنتها إلا بالدخول. ولنا ، قول الله تعالى (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) والمعقود عليها من نسائه فتدخل أمها في عموم الآية. قال ابن عباس : أبهموا ما أبهم القرآن ، يعني غمّموا حكمها في كل حال ، ولا تفصلوا بين المدخول بها وبين غيرها. وروى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من تزوج امرأة ، فطلقها قبل أن يدخل بها ، فلا بأس أن يتزوج ربيبته ، ولا يحلّ له أن يتزوج أمها». رواه أبو حفص بإسناده. وقال زيد : تحرّم بالدخول أو بالموت ، لأنه يقوم مقام الدخول. وقد ذكرنا ما يوجب التحريم مطلقا. وحديث علي رضي الله عنه ، أخرجه الطبري ٨٩٥٢ عن خلاس بن عمرو عن علي مرسلا.
(٢) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ٥١٦ ـ ٥١٧ روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما ، أنهما رخصا فيها إذا لم تكن في حجره وهو قول داود. قال ابن المنذر : وقد أجمع علماء الأمصار على خلاف هذا القول.
وقال النبي صلىاللهعليهوسلم لأم حبيبة : «لا تعرضن علي بناتكن ، ولا أخواتكن». لأن التربية لا تأثير لها في التحريم كسائر المحرمات. وأما الآية فلم تخرج مخرج الشرط ، وإنما وصفها بذلك تعريفا لها بغالب حالها ، وما خرج مخرج الغالب لا يصح التمسّك بمفهومه. وإن لم يدخل بالمرأة لم تحرّم عليه بناتها.