يريدون : يوما وبعض آخر ـ قال : كاملين لتبيين أنه لا يجوز أن ينقص منهما ، وهذا قول الزجّاج ، والفرّاء.
فصل : اختلف علماء النّاسخ والمنسوخ في هذا القدر من الآية ، فقال بعضهم : هو محكم ، والمقصود منه بيان مدّة الرّضاع ، ويتعلّق به أحكام ، منها أنه كمال الرّضاع ، ومنها أنه يلزم الأب نفقة الرّضاع مدّة الحولين ، ويجبره الحاكم على ذلك ، ومنها أنه يثبت تحريم الرّضاع في مدّة الحولين ، ولا يثبت فيما زاد ، ونقل عن قتادة ، والرّبيع بن أنس في آخرين أنه منسوخ بقوله تعالى : (فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما) ، قال شيخنا عليّ بن عبيد الله : وهذا قول بعيد ، لأنّ الله تعالى قال في أوّلها : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) ، فلمّا قال في الثاني : (فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما) خيّر بين الإرادتين ، وذلك لا يعارض المدّة المقدّرة في التّمام.
قوله تعالى : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) ، أي : هذا التقدير بالحولين لمريدي إتمام الرّضاعة. وقرأ مجاهد بتاءين «تتم الرضاعة» وبالرفع ، وهي رواية الحلبيّ عن عبد الوارث. وقد ذكر التمام على نفي حكم الرّضاع بعد الحولين ، وأكثر القرّاء على فتح راء «الرضاعة» ، وقرأ طلحة بن مصرّف ، وابن أبي عبلة ، وأبو رجاء بكسرها ، قال الزّجّاج ، يقال : الرّضاعة بفتح الراء وكسرها ، والفتح أكثر ، ويقال : ما حمله على ذلك إلا اللؤم والرّضاعة بالفتح هاهنا لا غير.
قوله تعالى : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ) ، يعني : الأب. (رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَ) يعني : المرضعات. وفي قوله : (بِالْمَعْرُوفِ) دلالة على أن الواجب على قدر حال الرجل في إعساره ويساره ، إذ ليس من المعروف إلزام المعسر ما لا يطيقه ، ولا الموسر النّزر الطّفيف. وفي الآية دليل على تسويغ اجتهاد الرأي في أحكام الحوادث ، إذ لا يتوصّل إلى تقدير النفقة بالمعروف إلّا من جهة غالب الظنّ ، إذ هو معتبر بالعادة. قوله تعالى : (لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها) ، أي : إلا ما تطيقه. (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها) ، قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبان عن عاصم (لا تضارّ) برفع الراء ، وقرأ نافع وعاصم ، وحمزة ، والكسائيّ بنصبها ، قال أبو عليّ : من رفع ، فلأجل المرفوع قبله ، وهو «لا تكلف» ، فأتبعه بما قبله ليقع تشابه اللفظ ، ومن نصب جعله أمرا ، وفتح الراء لتكون حركته موافقة لما قبلها وهو الألف ، قال ابن قتيبة : معناه : لا تضارر ، فأدغمت الراء في الراء. وقال سعيد بن جبير : لا يحملنّ المطلقة مضارّة الزوج أن تلقي إليه ولده. وقال مجاهد : لا تأبى أن ترضعه ضرارا بأبيه ، ولا يضار الوالد بولده ، فيمنع أمّه أن ترضعه ، ليحزنها بذلك. وقال عطاء ، وقتادة ، والزّهريّ ، وسفيان ، والسّدّيّ في آخرين : إذا رضيت بما يرضى به غيرها ، فهي أحقّ به. وقرأ أبو جعفر : «لا تضار» بتخفيفها وإسكانها.
قوله تعالى : (وَعَلَى الْوارِثِ) فيه أربعة أقوال : أحدها : أنه وارث المولود ، وهو قول عطاء ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وابن أبي ليلى ، وقتادة ، والسّدّيّ ، والحسن بن صالح ، ومقاتل في آخرين ؛ واختلف أرباب هذا القول ، فقال بعضهم : هو وارث المولود من عصبته ، كائنا من كان ، وهذا مرويّ عن عمر ، وعطاء ، والحسن ، ومجاهد ، وإبراهيم ، وسفيان. وقال بعضهم : هو وارث المولود على الإطلاق من الرجال والنساء ، روي عن ابن أبي ليلى ، وقتادة ، والحسن بن صالح ، وإسحاق ، وأحمد بن حنبل. وقال آخرون : هو من كان ذا رحم محرم من ورثة المولود ، روي عن أبي حنيفة ،