قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) ، فيهم قولان : أحدهما : أنهم القادة والرّؤساء ، قاله ابن عباس ، وأبو العالية ، وقتادة ، ومقاتل ، والزّجّاج. والثاني : أنهم الشّياطين ، قاله السّدّيّ.
قوله تعالى : (وَرَأَوُا الْعَذابَ) ، يشمل الكلّ. (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) ، أي : عنهم ، مثل قوله : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) (١). وفي (الْأَسْبابُ) أربعة أقوال : أحدها : أنها المودّات ، وإلى نحوه يذهب ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة. والثاني : أنّها الأعمال ، رواه السّدّيّ عن ابن مسعود ، وابن عباس ، وهو قول أبي صالح وابن زيد. والثالث : أنّها الأرحام ، رواه ابن جريج عن ابن عباس. والرابع : أنّها تشمل جميع ذلك. قال ابن قتيبة : هي الأسباب التي كانوا يتواصلون بها في الدّنيا ، فأمّا تسميتها بالأسباب ، فالسّبب في اللغة : الحبل ، ثم قيل لكلّ ما يتوصّل به إلى مقصود : سبب. والكرّة : الرّجعة إلى الدّنيا ، قاله ابن عباس ، وقتادة في آخرين (فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ) ، يريدون : من القادة (كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا) في الآخرة. (كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ) ، قال الزجّاج : أي : كتبرّؤ بعضهم من بعض ، يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم ، لأنّ أعمال الكافر لا تنفعه. وقال ابن الأنباريّ : يريهم الله أعمالهم القبيحة حسرات عليهم إذا رأوا أحسن المجازاة للمؤمنين بأعمالهم ، قال : ويجوز أن يكون : كذلك يريهم الله ثواب أعمالهم وجزاءها ، فحذف الجزاء وأقام الأعمال مقامه. قال ابن فارس : والحسرة : التّلهّف على الشّيء الفائت. وقال غيره : الحسرة : أشدّ النّدامة.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨))
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) نزلت في ثقيف ، وخزاعة ، وبني عامر بن صعصعة ، حرّموا على أنفسهم من الحرث والأنعام ، وحرّموا البحيرة ، والسّائبة ، والوصيلة ، والحام ، قاله ابن السّائب.
قوله تعالى : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) ، قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، والكسائيّ ، وحفص عن عاصم «خطوات» مثقّلة. وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم ، وحمزة «خطوات» ساكنة الطّاء خفيفة. وقرأ الحسن ، وأبو الجوزاء «خطوات» بفتح الخاء وسكون الطّاء من غير همز. وقرأ أبو عمران الجوني بضم الخاء والطاء مع الهمز. قال ابن قتيبة : خطواته : سبيله ومسلكه ، وهي جمع خطوة ، والخطوة بضم الخاء : ما بين القدمين ، وبفتحها : الفعلة الواحدة. واتّباعهم خطواته : أنهم كانوا يحرّمون أشياء قد أحلّها الله ، ويحلّون أشياء قد حرّمها الله.
قوله تعالى : (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ، أي : بيّن. وقيل : أبان عداوته بما جرى له مع آدم.
(إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (١٦٩))
قوله تعالى : (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ) ، السّوء : كلّ إثم وقبح. قال ابن عباس : وإنّما سمّي سوءا ، لأنه تسوء عواقبه ، وقيل : لأنه يسوء إظهاره (وَالْفَحْشاءِ) من : فحش الشيء : إذا جاز قدره. وفي المراد بها هاهنا خمسة أقوال : أحدها : أنها كلّ معصية لها حدّ في الدنيا. والثاني : أنها ما لا يعرف في
__________________
(١) الفرقان : ٥٩.