فنزلت هذه الآية ، قاله عطاء (١).
فأمّا (السَّماواتِ) ، فتدلّ على صانعها ، إذ هي قائمة بغير عمد ، وفيها من الآيات الظّاهرة ، ما يدلّ يسيره على مبدعه ، وكذلك الأرض في ظهور ثمارها ، وتمهيد سهولها ؛ وإرساء جبالها ، إلى غير ذلك. (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) كلّ واحد منهما حادث بعد أن لم يكن ، وزائل بعد أن كان ، (وَالْفُلْكِ) : السّفن. قال ابن قتيبة : الواحد والجمع بلفظ واحد. وقال اليزيديّ : واحده فلكة ، ويذكّر ويؤنّث. وقال الزجّاج : الفلك السّفن ، ويكون واحدا ، ويكون جمعا ، لأنّ فعل ، وفعل جمعهما واحد ، ويأتيان كثيرا بمعنى واحد. يقال : العجم والعجم ، والعرب والعرب ، والفلك والفلك. والفلك : يقال لكلّ مستدير ، أو فيه استدارة. و «البحر» : الماء الغزير (بِما يَنْفَعُ النَّاسَ) من المعايش. (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ) ، يعني : المطر ، والمطر ينزل على معنى واحد ، وأجزاء الأرض والهواء على معنى واحد ، والأنواع تختلف في النّبات والطّعوم والألوان والأشكال المختلفات ، وفي ذلك ردّ على من قال : إنه من فعل الطّبيعة ، لأنه لو كان كذلك لوجب أن يتّفق موجبها ، إذ المتّفق لا يوجب المختلف ، وقد أشار سبحانه إلى هذا المعنى في قوله : (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) (٢).
قوله تعالى : (وَبَثَ) ، أي : فرّق. قرأ ابن كثير (الرِّياحِ) على الجمع في خمسة مواضع : هاهنا. وفي (الحجر) : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) (٣) ، وفي (الكهف) : (تَذْرُوهُ الرِّياحُ) (٤) ، وفي (الرّوم) : الحرف الأول (الرّياح). وفي (الجاثية) : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) (٥) ، وقرأ باقي القرآن «الريح». وقرأ أبو جعفر «الريح» في خمسة عشر موضعا في (البقرة) ، وفي (الأعراف) : (يُرْسِلُ الرِّياحَ*) (٦) ، وفي (إبراهيم) : «اشتدت به الرياح» ، وفي (الحجر) : (الرِّياحَ لَواقِحَ) ، وفي (سبحان) (٧) ، وفي (الكهف) : (تَذْرُوهُ الرِّياحُ) ، وفي (الأنبياء) ؛ وفي (الفرقان) : (أَرْسَلَ الرِّياحَ*) (٨) ، وفي (النّمل). والثاني من (الرّوم) : وفي (سبأ) ، وفي (فاطر) : (أَرْسَلَ الرِّياحَ*) (٩) ، وفي (عسق) : «يسكن الرياح» ، وفي (الجاثية) : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) ، تابعه نافع إلا في (سبحان) ، و «رياح» سليمان. وتابع نافعا أبو عمرو إلا في حرفين : «الريح» في (إبراهيم) و (عسق). ووافق أبا عمر ، وعاصم ، وابن عامر. وقرأ حمزة «الريح» جمعا في موضعين : في (الفرقان) ، والحرف الأول من (الرّوم) ، وباقيهنّ على التّوحيد. وقرأ الكسائيّ مثل حمزة ، إلا أنّه زاد عليه في (الحجر) : (الرِّياحَ لَواقِحَ) ، ولم يختلفوا فيما ليس فيه ألف ولام ، فمن جمع ؛ فكلّ ريح تساوي أختها في الدّلالة على التّوحيد والنّفع ، ومن وحّد ؛ أراد الجنس.
ومعنى تصريف الرّياح : تقلّبها شمالا مرّة ، وجنوبا مرّة ، ودبورا أخرى ، وعذابا ورحمة ، (وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ) : المذلّل. والآية فيه من أربعة أوجه : ابتداء كونه ، وانتهاء تلاشيه ، وقيامه بلا
__________________
(١) ضعيف ، أخرجه الطبري ٢٤٠٦ والواحدي في «أسباب النزول» ٨٤ عن عطاء مرسلا ، والمرسل من قسم الضعيف ، والسورة مدنية ، فهذا خبر واه ، لا شيء.
(٢) الرعد : ٤.
(٣) الحجر : ٢٢.
(٤) الكهف : ٤٥.
(٥) الجاثية : ٥.
(٦) الأعراف : ٥٧.
(٧) أي سورة الإسراء.
(٨) الفرقان : ٤٨.
(٩) فاطر : ٩.