النّاسخ والمنسوخ لا يمكن العمل بأحدهما إلا بترك العمل بالآخر ، وهاهنا يمكن العمل بالمستثنى والمستثنى منه.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٦١))
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ). إنّما شرط الموت على الكفر ، لأنّ حكمه يستقرّ بالموت عليه ، فإن قيل : كيف قال : (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ، وأهل دينه لا يلعنونه ، فعنه ثلاثة أجوبة : أحدها : أنّهم يلعنونه في الآخرة ، قال الله عزوجل : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ، وقال : (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها). والثاني : أنّ المراد بالنّاس هاهنا المؤمنون ، قاله ابن مسعود وقتادة ومقاتل. فيكون على هذا من العامّ الذي أريد به الخاصّ. والثالث : أنّ اللعنة من الأكثر يطلق عليها : لعنة جميع النّاس تغليبا لحكم الأكثر على الأقلّ.
(خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦٢))
قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها) في هاء الكناية قولان : أحدهما : أنها تعود إلى اللعنة ، قاله ابن مسعود ، ومقاتل. والثاني : أنها ترجع إلى النّار ، وإن لم يجر لها ذكر فقد علمت.
(وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٣))
قوله تعالى : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ). قال ابن عباس : إنّ كفار قريش قالوا : يا محمّد صف لنا ربّك وانسبه ، فنزلت هذه الآية ، وسورة الإخلاص. والإله بمعنى : المعبود.
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤))
قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). في سبب نزولها ثلاثة أقوال : أحدها : أنّ المشركين قالوا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : اجعل لنا الصّفا ذهبا إن كنت صادقا ؛ فنزلت هذه الآية ، حكاه السّدّيّ عن ابن مسعود ، وابن عباس (١). والثاني : أنهم لمّا قالوا : انسب لنا ربّك وصفه ، فنزلت : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ، قالوا : فأرنا آية ذلك ؛ فنزلت : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إلى قوله : (يَعْقِلُونَ) ، رواه أبو صالح عن ابن عباس (٢). والثالث : أنه لمّا نزلت (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ، قال كفّار قريش : كيف يسع النّاس إله واحد؟
__________________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه كما في «تفسير ابن كثير» ١ / ٢٠٢ ، وإسناده لين ، وفيه جعفر بن أبي المغيرة ، وهو غير قوي وبخاصة في روايته عن سعيد بن جبير. وهذا منها. ثم إن الآية مدنية في قول عطاء وغيره. راجع أسباب النزول للواحدي ٨٤. والمتن غريب ، فإن السورة مدنية باتفاق. وانظر «تفسير الشوكاني» ٢٥٢. وأخرجه الطبري ٢٤١٢ عن السدي مرسلا ، والمرسل من قسم الضعيف ، ولم أره عن ابن مسعود ولا ابن عباس ، ولا يصح.
(٢) عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس ، وأبو صالح روى عن ابن عباس تفسيرا موضوعا ، انظر ترجمته في المقدمة.