قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) ، قال أبو صالح عن ابن عباس : نزلت في رؤساء اليهود ، كتموا ما أنزل الله في التّوراة من البيّنات والهدى (١). فالبيّنات : الحلال والحرام والحدود والفرائض. والهدى : نعت النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وصفته (مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ) ، قال مقاتل : لبني إسرائيل ، وفي الكتاب قولان : أحدهما : أنه التّوراة ، وهو قول ابن عباس. والثاني : التّوراة والإنجيل ، قاله قتادة. (أُولئِكَ) إشارة إلى الكاتمين (يَلْعَنُهُمُ اللهُ) قال ابن قتيبة : أصل اللعن في اللغة : الطّرد ، ولعن الله إبليس ، أي : طرده ، ثم انتقل ذلك فصار قولا. قال الشّمّاخ وذكر ماء :
ذعرت به القطا ونفيت عنه |
|
مقام الذّئب كالرّجل اللّعين |
أي : الطّريد. وفي اللاعنين أربعة أقوال :
(٦٠) أحدها : أنّ المراد بهم : «دوابّ الأرض» ، رواه البراء عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وهو قول مجاهد ، وعكرمة. قال مجاهد : يقولون إنما منعنا القطر بذنوبكم فيلعنونهم.
والثاني : أنهم المؤمنون ، قاله عبد الله بن مسعود. والثالث : أنهم الملائكة والمؤمنون ، قاله أبو العالية ، وقتادة. والرابع : أنهم الجنّ والإنس وكلّ دابّة ، قاله عطاء.
فصل : وهذه الآية توجب إظهار علوم الدّين ، منصوصة كانت أو مستنبطة ، وتدلّ على امتناع جواز أخذ الأجرة على ذلك ، إذ غير جائز استحقاق الأجر على ما يجب فعله.
(٦١) وقد روى الأعرج عن أبي هريرة أنه قال : إنّكم تقولون : أكثر أبو هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، والله الموعد ، وايم الله : لو لا آية في كتاب الله ما حدّثت أحدا بشيء أبدا ، ثمّ تلا (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا) ... إلى آخرها.
(إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠))
قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا). قال ابن مسعود : إلّا الذين تابوا من اليهود وأصلحوا أعمالهم ، وبيّنوا صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم في كتابهم.
فصل : وقد ذهب قوم إلى أنّ الآية التي قبل هذه منسوخة بالاستثناء في هذه ، وهذا ليس بنسخ ، لأنّ الاستثناء إخراج بعض ما شمله اللفظ ، وذلك يقتضي التّخصيص دون النّسخ ، ومما يحقّق هذا أنّ
____________________________________
(٦٠) ضعيف ، أخرجه ابن ماجة ٤٠٢١ وفيه ليث ، وهو ضعيف أعله البوصيري في الزوائد بضعف ليث بن أبي سليم. وانظر «تفسير القرطبي» ٧٧٣ بتخريجنا.
(٦١) صحيح. أخرجه البخاري ١١٨ من طريق الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة.
__________________
(١) إسناده ساقط ، أخرجه الثعلبي كما في «أسباب النزول» للسيوطي ٧٨ من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، والكلبي متهم بالكذب كما تقدم ، وأبو صالح متروك ، لكن كون المراد بالآيات اليهود هو ظاهر القرآن ، وورد عن ابن عباس أخرجه الطبري ٢٣٧٦ بسند فيه مجهول. وورد من مرسل قتادة ، أخرجه برقم ٢٣٨٠ ومن مرسل مجاهد برقم ٢٣٧٧ ومن مرسل السدي برقم ٢٣٨١.
ـ الخلاصة : أصل الخبر محفوظ بشواهده.