(٥٨) وقال الشّعبيّ : كان وثن على الصّفا يدعى : إساف ، ووثن على المروة يدعى : نائلة ، وكان أهل الجاهلية يسعون بينهما ويمسحونهما ، فلما جاء الإسلام كفّوا عن السّعي بينهما ، فنزلت هذه الآية.
(٥٩) والثالث : أنّ الصحابة قالت للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : إنّا كنّا نطّوف في الجاهليّة بين الصّفا والمروة ، وإنّ الله تعالى ذكر الطّواف بالبيت ، ولم يذكره بين الصّفا والمروة ، فهل علينا من حرج أن لا نطّوّف بهما ، فنزلت هذه الآية. رواه الزّهريّ ، عن أبي بكر بن عبد الرّحمن عن جماعة من أهل العلم.
قال إبراهيم بن السّري : الصّفا في اللغة : الحجارة الصّلبة الصّلدة التي لا تنبت شيئا ، وهو جمع ، واحده صفاة وصفا ، مثل : حصاة وحصى. والمروة : الحجارة الليّنة ، وهذان الموضعان من شعائر الله ، أي : من أعلام متعبّداته. وواحد الشّعائر : شعيرة. والشّعائر : كلّ ما كان من موقف أو مسعى أو ذبح. والشّعائر : من شعرت بالشّيء : إذا علمت به ، فسمّيت الأعلام التي هي متعبّدات الله : شعائر. والحجّ في اللغة : القصد ، وكذلك كلّ قاصد شيئا فقد اعتمره. والجناح : الإثم ، أخذ من جنح : إذا مال وعدل ، وأصله من جناح الطّائر ، وإنما اجتنب المسلمون الطّواف بينهما ، لمكان الأوثان ، فقيل لهم : إنّ نصب الأوثان بينهما قبل الإسلام لا يوجب اجتنابهما ، فأعلم الله عزوجل أنه لا جناح في التّطوّف بهما ، وأنّ من تطوّع بذلك فإنّ الله شاكر عليم. والشّكر من الله ، المجازاة والثّناء الجميل ، والجمهور قرءوا (وَمَنْ تَطَوَّعَ) بالتاء ونصب العين ، منهم : ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وقرأ حمزة ، والكسائيّ «يطوع» بالياء وجزم العين. وكذلك خلافهم في التي بعدها بآيات.
فصل : اختلفت الرّواية عن إمامنا أحمد في السّعي بين الصّفا والمروة ، فنقل الأثرم أنّ من ترك السّعي لم يجزه حجه. ونقل أبو طالب : لا شيء في تركه عمدا أو سهوا ، ولا ينبغي أن يتركه. ونقل الميمونيّ أنه تطوّع (١).
____________________________________
(٥٨) مرسل ، أخرجه الطبري ٢٣٤١ و ٢٣٤٢ و ٢٣٤٣ بسند صحيح عن الشعبي ، وهذا مرسل.
(٥٩) هو عجز الحديث المتقدم برقم ٥٦.
__________________
(١) قال القرطبي رحمهالله ٢ / ١٧٨ : واختلف العلماء في وجوب السعي بين الصفا والمروة ، فقال الشافعي وابن حنبل : هو ركن ، وهو المشهور من مذهب مالك لقوله عليهالسلام : «اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي» ، فمن تركه عامدا أو ناسيا رجع من بلده أو من حيث ذكر إلى مكة ، فيطوف ويسعى ؛ لأن السعي لا يكون إلّا متصلا بالطّواف. وسواء عند مالك كان ذلك في حج أو عمرة وإن لم يكن في العمرة فرضا ، فإن أصاب النساء فعليه عمرة وهدي عند مالك مع تمام مناسكه. وقال الشافعي : عليه هدي ولا معنى للعمرة إذا رجع وطاف وسعى. وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والشعبي : ليس بواجب فإن تركه أحد من الحاج حتى يرجع إلى بلاده جبره بالدم ، لأنه سنة من سنن الحج. وهو قول مالك في العتبية. والصحيح ما ذهب إليه الشافعي رحمهالله تعالى. وقال ابن كثير رحمهالله ١ / ١٩٩ : إن السعي بين الصفا والمروة ركن في الحج كما هو مذهب الشافعي ومن وافقه ورواية عن أحمد وهو المشهور عن مالك. وقيل إنه واجب وليس بركن فإن تركه عمدا أو سهوا جبره بدم وهو رواية عن أحمد وبه يقول طائفة. وقيل : بل مستحب وإليه ذهب أبو حنيفة والثوري والشعبي ومن وافقهم واحتجوا بقوله تعالى (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً). والقول الأول أرجح لأنه عليهالسلام طاف بينهما وقال «لتؤخذوا عني مناسككم» فكل ما فعله في حجته تلك واجب لا بد من فعله في الحج إلّا ما خرج بدليل والله أعلم.