بالجنّة. واعلم أنه إنّما أخبرهم بما سيصيبهم ، ليوطّنوا أنفسهم على الصّبر ، فيكون ذلك أبعد لهم من الجزع.
(قالُوا إِنَّا لِلَّهِ) ، يريدون : نحن عبيده يفعل بنا ما يشاء ، (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) ، يريدون : نحن مقرّون بالبعث والجزاء على أعمالنا ، والثّواب على صبرنا. قال سعيد بن جبير : لقد أعطيت هذه الأمّة عند المصيبة شيئا لم يعطه الأنبياء قبلهم (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ). ولو أعطيها الأنبياء لأعطيها يعقوب ، إذ يقول : (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) (١). قال الفرّاء : وللعرب في المصيبة ثلاث لغات : مصيبة ، ومصابة ، ومصوبة ، زعم الكسائيّ أنه سمع أعرابيا يقول : جبر الله مصوبتك.
(أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧))
قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ). قال سعيد بن جبير : الصّلوات من الله : المغفرة ، (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) بالاسترجاع. وقال عمر بن الخطّاب : نعم العدلان ، ونعمت العلاوة : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (١٥٧).
(إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (١٥٩))
قوله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ). في سبب نزولها ثلاثة أقوال :
(٥٦) أحدها : أنّ رجالا من الأنصار ممّن كان يهلّ لمناة في الجاهلية ـ ومناة : صنم كان بين مكّة والمدينة ـ قالوا : يا رسول الله! إنّا كنّا لا نطوّف بين الصّفا والمروة تعظيما لمناة ، فهل علينا من حرج أن نطوّف بهما؟ فنزلت هذه الآية. رواه عروة عن عائشة.
(٥٧) والثاني : أنّ المسلمين كانوا لا يطّوفون بين الصّفا والمروة ، لأنه كان على الصّفا تماثيل وأصنام ؛ فنزلت هذه الآية. رواه عكرمة عن ابن عباس.
____________________________________
(٥٦) صحيح. أخرجه البخاري ١٧٩٠ ومسلم ١٢٧٧ وأبو داود ١٩٠١ وابن ماجة ٢٩٨٦ وابن خزيمة ٢٧٦٩ والطبري ٢٣٥٧ وابن حبان ٣٨٣٩ من طريق هشام بن عروة عن عروة عن عائشة.
ـ وأخرجه البخاري ١٦٤٣ ومسلم ١٢٧٧ والترمذي ٢٩٦٥ والنسائي ٥ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨ والحميدي ٢١٩ وأحمد ٦ / ١٤٤ وابن حبان ٣٨٤٠ عن الزهري عن عروة عن عائشة.
(٥٧) صحيح. أخرجه الحاكم ٢ / ٢٧٢ من طريق أبي مالك عن ابن عباس ، وإسناده حسن في الشواهد ، وصححه الحاكم على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي. وأخرجه ٢ / ٢٧١ من وجه آخر ، وصححه على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي. وأخرجه الطبري ٢٣٤٦ من وجه آخر ، وفيه جابر الجعفي متروك ، والحجة فيما تقدم.
__________________
(١) يوسف : ٨٤.