(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣))
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ). سبب نزولها : أنّ المشركين قالوا : سيرجع محمّد إلى ديننا ، كما رجع إلى قبلتنا ، فنزلت هذه الآية ، قاله قتادة. وقال ابن عباس : استعينوا على طلب الآخرة بالصّبر على أداء الفرائض ، وبالصّلاة ، وقد سبق الكلام في الصّبر ، وبيان الاستعانة به وبالصّلاة.
(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (١٥٤))
قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ). سبب نزولها : أنهم كانوا يقولون لقتلى بدر وأحد : مات فلان ببدر ، مات فلان بأحد ، فنزلت هذه الآية (١) ، قاله ابن عباس.
ورفع الأموات بإضمار مكنيّ من أسمائهم ، أي : لا تقولوا : هم أموات ، ذكر نحوه الفرّاء. فإن قيل : فنحن نراهم موتى ، فما وجه النّهي؟ فالجواب أنّ المعنى : لا تقولوا : هم أموات لا تصل أرواحهم إلى الجنّات ، ولا تنال من تحف الله ما لا يناله الأحياء ، بل هم أحياء ، أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنّة ، فهم أحياء من هذه الجهة ، وإن كانوا أمواتا من جهة خروج الأرواح ؛ ذكره ابن الأنباريّ ، فإن قيل : أليس جميع المؤمنين منعّمين بعد موتهم؟ فلم خصصتم الشهداء؟ فالجواب : أنّ الشهداء فضّلوا على غيرهم بأنهم مرزوقون من مطاعم الجنّة ومآكلها ، وغيرهم منعم بما دون ذلك ، ذكره ابن جرير الطّبريّ.
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧))
قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ). قال الفرّاء : «من» تدلّ على أنّ لكلّ صنف منها شيئا مضمرا ، فتقديره : بشيء من الخوف ، وشيء من الجوع ، وشيء من نقص الأموال.
وفيمن أريد بهذه الآية أربعة أقوال : أحدها : أنهم أصحاب النبيّ خاصّة ، قاله عطاء. والثاني : أنهم أهل مكّة. والثالث : أنّ هذا يكون في آخر الزّمان. قال كعب : يأتي على الناس زمان لا تحمل النّخلة إلّا تمرة. والرابع : أنّ الآية على عمومها.
فأمّا الخوف ؛ فقال ابن عباس : وهو الفزع في القتال. والجوع : المجاعة التي أصابت أهل مكّة سبع سنين. ونقص من الأموال : ذهاب أموالهم ، والأنفس بالموت والقتل الذي نزل بهم ، والثّمرات لم تخرج كما كانت تخرج. وحكى أبو سليمان الدّمشقيّ عن بعض أهل العلم : أنّ الخوف في الجهاد والجوع في فرض الصّوم ، ونقص الأموال : ما فرض فيها من الزّكاة والحجّ ونحو ذلك. والأنفس : ما يستشهد منها في القتال ، والثّمرات : ما فرض فيها من الصّدقات. (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) على هذه البلاوي
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر» ١ / ٢٧١ ونسبه للثعلبي من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن ابن عباس ، وما قبل ابن عباس سلسلة الكذب.